صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أن كان ذا مال وبنين ) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( 15 ) سنسمه على الخرطوم ( 16 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله : ( أن كان ) فقرأ ذلك أبو جعفر المدني وحمزة : ( أأن كان ذا مال ) بالاستفهام بهمزتين ، وتتوجه قراءة من قرأ ذلك كذلك إلى وجهين :

أحدهما : أن يكون مرادا به تقريع هذا الحلاف المهين ، فقيل : ألأن كان هذا الحلاف المهين ذا مال وبنين ( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) وهذا أظهر وجهيه .

والآخر : أن يكون مرادا به : ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه ، على وجه التوبيخ لمن أطاعه . وقرأ ذلك بعد سائر قراء المدينة والكوفة والبصرة : ( أن كان ذا مال ) على وجه الخبر [ ص: 541 ] بغير استفهام بهمزة واحدة ، ومعناه إذا قرئ كذلك : ولا تطع كل حلاف مهين ( أن كان ذا مال وبنين ) كأنه نهاه أن يطيعه من أجل أنه ذو مال وبنين .

وقوله : ( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) يقول : إذا تقرأ عليه آيات كتابنا ، قال : هذا مما كتبه الأولون استهزاء به وإنكارا منه أن يكون ذلك من عند الله .

وقوله : ( سنسمه على الخرطوم ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : سنخطمه بالسيف ، فنجعل ذلك علامة باقية وسمة ثابتة فيه ما عاش .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( سنسمه على الخرطوم ) فقاتل يوم بدر ، فخطم بالسيف في القتال .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : سنشينه شينا باقيا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( سنسمه على الخرطوم ) شين لا يفارقه آخر ما عليه .

وقال آخرون : سيمى على أنفه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( سنسمه على الخرطوم ) قال : سنسم على أنفه .

وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال : معنى ذلك : سنبين أمره بيانا واضحا حتى يعرفوه ، فلا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السمة على الخرطوم .

وقال قتادة : معنى ذلك : شين لا يفارقه آخر ما عليه ، وقد يحتمل أيضا أن يكون خطم بالسيف ، فجمع له مع بيان عيوبه للناس الخطم بالسيف .

ويعني بقوله : ( سنسمه ) سنكويه . وقال بعضهم : معنى ذلك : سنسمه سمة أهل النار : أي سنسود وجهه .

وقال : إن الخرطوم وإن كان خص بالسمة ، فإنه في مذهب الوجه; لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض ، والعرب تقول : والله لأسمنك وسما [ ص: 542 ] لا يفارقك ، يريدون الأنف . قال : وأنشدني بعضهم :


لأعلطنه وسما لا يفارقه كما يحز بحمي الميسم النجر



والنجر : داء يأخذ الإبل فتكوى على أنفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية