القول في تأويل 
قوله تعالى : ( فتنادوا مصبحين  ) 
أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين  ( 22 ) 
انطلقوا وهم يتخافتون  ( 23 ) 
أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين  ( 24 ) 
وغدوا على حرد قادرين  ( 25 ) )  
[ ص: 546 ] 
يقول تعالى ذكره : فتنادى هؤلاء القوم وهم أصحاب الجنة . يقول : نادى بعضهم بعضا مصبحين ، يقول : بعد أن أصبحوا ( 
أن اغدوا على حرثكم  ) وذلك الزرع ( 
إن كنتم صارمين  ) يقول : إن كنتم حاصدي زرعكم ( 
فانطلقوا وهم يتخافتون  ) يقول : فمضوا إلى حرثهم وهم يتسارون بينهم ( 
أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين  ) يقول : وهم يتسارون يقول بعضهم لبعض : لا يدخلن جنتكم اليوم عليكم مسكين . 
كما حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله : ( 
فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون  ) يقول : يسرون ( 
أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين  ) . 
كما حدثنا 
ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة  قال : لما مات أبوهم غدوا عليها ، فقالوا : ( 
لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين  )  . 
واختلف أهل التأويل في معنى الحرد في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معناه : على قدرة في أنفسهم وجد . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي ،  قال : ثنا 
أبو صالح ،  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي  عن 
ابن عباس ،  قوله : ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) قال : ذوي قدرة  . 
حدثني 
يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا 
هشيم ،  قال : أخبرنا 
حجاج  عمن حدثه ، عن 
مجاهد  في قول الله : ( 
على حرد قادرين  ) قال : على جد قادرين في أنفسهم  . 
قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن 
أبي رجاء ،  عن 
الحسن ،  في قوله : ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) قال : على جهد ، أو قال على جد  . 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) غدا القوم وهم محردون إلى جنتهم ، قادرون عليها في أنفسهم  . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة   ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) قال : على جد من أمرهم  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله : ( 
على حرد قادرين  ) على جد قادرين في أنفسهم  .  
[ ص: 547 ] 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وغدوا على أمرهم قد أجمعوا عليه بينهم ، واستسروه ، وأسروه في أنفسهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان ،  عن 
إبراهيم بن المهاجر ،  عن 
مجاهد   ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) قال : كان حرث لأبيهم ، وكانوا إخوة ، فقالوا : لا نطعم مسكينا منه حتى نعلم ما يخرج منه ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) على أمر قد أسسوه بينهم  . 
حدثنا 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى;  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  في قوله : ( 
على حرد  ) قال : على أمر مجمع  . 
حدثنا 
هناد ،  قال : ثنا 
أبو الأحوص ،  عن 
سماك ،  عن 
عكرمة   ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) قال : على أمر مجمع  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وغدوا على فاقة وحاجة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  قال : قال 
الحسن ،  في قوله : ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) قال : على فاقة  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : على حنق . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان   ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) قال : على حنق ، وكأن 
سفيان  ذهب في تأويله هذا إلى مثل قول 
الأشهب بن رميلة   : 
أسود شرى لاقت أسود خفية تساقوا على حرد دماء الأساود 
 [ ص: 548 ] 
يعني : على غضب . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من 
أهل البصرة  يتأول ذلك : وغدوا على منع . 
ويوجهه إلى أنه من قولهم : حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر ، وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن ، كما قال الشاعر : 
فإذا ما حاردت أو بكأت     فت عن حاجب أخرى طينها 
وهذا قول لا نعلم له قائلا من متقدمي العلم قاله ، وإن كان له وجه ، فإذا كان ذلك كذلك ، وكان غير جائز عندنا أن يتعدى ما أجمعت عليه الحجة ، فما صح من الأقوال في ذلك إلا أحد الأقوال التي ذكرناها عن أهل العلم . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان المعروف من معنى الحرد في كلام العرب القصد ، من قولهم : قد حرد فلان حرد فلان :  
[ ص: 549 ] إذا قصد قصده; ومنه قول 
الراجز   : 
وجاء سيل كان من أمر الله     يحرد حرد الجنة المغله 
يعني : يقصد قصدها ، صح أن الذي هو أولى بتأويل الآية قول من قال : معنى قوله : ( 
وغدوا على حرد قادرين  ) وغدوا على أمر قد قصدوه واعتمدوه ، واستسروه بينهم ، قادرين عليه في أنفسهم .