صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ما أغنى عني ماليه ( 28 ) هلك عني سلطانيه [ ص: 588 ] ( 29 ) خذوه فغلوه ( 30 ) ثم الجحيم صلوه ( 31 ) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ( 32 ) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ( 33 ) )

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله : ( ما أغنى عني ماليه ) يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا ، ( هلك عني سلطانيه ) يقول : ذهبت عني حججي ، وضلت ، فلا حجة لي أحتج بها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( هلك عني سلطانيه ) يقول : ضلت عني كل بينة فلم تغن عني شيئا .

حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي ، قال : ثنا محمد بن ربيعة ، عن النضر بن عربي ، قال : سمعت عكرمة يقول : ( هلك عني سلطانيه ) قال : حجتي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( هلك عني سلطانيه ) قال : حجتي .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( هلك عني سلطانيه ) : أما والله ما كل من دخل النار كان أمير قرية يجبيها ، ولكن الله خلقهم ، وسلطهم على أقرانهم ، وأمرهم بطاعة الله ، ونهاهم عن معصية الله .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( هلك عني سلطانيه ) يقول : بينتي ضلت عني .

وقال آخرون : عني بالسلطان في هذا الموضع : الملك .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( هلك عني سلطانيه ) قال : سلطان الدنيا .

وقوله : ( خذوه فغلوه ) يقول تعالى ذكره لملائكته من خزان جهنم : ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ) يقول : ثم في نار جهنم أوردوه ليصلى فيها ، [ ص: 589 ] ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) يقول : ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ، بذراع ، الله أعلم بقدر طولها ، وقيل : إنها تدخل في دبره ، ثم تخرج من منخريه .

وقال بعضهم : تدخل في فيه ، وتخرج من دبره .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق ، قال : سمعت نوفا يقول : ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) قال : كل ذراع سبعون باعا ، الباع : أبعد ما بينك وبين مكة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني نسير ، قال : سمعت نوفا يقول في رحبة الكوفة ، في إمارة مصعب بن الزبير ، في قوله : ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) قال : الذراع : سبعون باعا ، الباع : أبعد ما بينك وبين مكة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة ، عن نوف البكالي ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) قال : كل ذراع سبعون باعا ، كل باع أبعد مما بينك وبين مكة ، وهو يومئذ في مسجد الكوفة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) قال : بذراع الملك ، فاسلكوه : قال : تسلك في دبره حتى تخرج من منخريه ، حتى لا يقوم على رجليه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يعمر بن بشير المنقري ، قال : ثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا سعيد بن يزيد ، عن أبي السمح ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن رصاصة مثل هذه ، وأشار إلى جمجمة ، أرسلت من السماء إلى الأرض ، وهي مسيرة خمس مائة سنة ، لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا - الليل والنهار - قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها " .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن ابن المبارك ، عن مجاهد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، ( فاسلكوه ) قال : السلك : أن تدخل السلسلة في فيه ، وتخرج من دبره . وقيل : ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) وإنما تسلك السلسلة في فيه ، كما قالت العرب : أدخلت رأسي في القلنسوة ، وإنما تدخل القلنسوة في الرأس ، [ ص: 590 ] وكما قال الأعشى :


إذا ما السراب ارتدى بالأكم



وإنما يرتدي الأكم بالسراب ، وما أشبه ذلك ، وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه ، وأنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله .

وقوله : ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ) يقول : افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا ، إنه كان لا يصدق بوحدانية الله العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية