[ ص: 596 ]  [ ص: 597 ]  [ ص: 598 ]  [ ص: 599 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل 
قوله تعالى : ( سأل سائل بعذاب واقع  ( 1 ) 
للكافرين ليس له دافع  ( 2 ) 
من الله ذي المعارج  ( 3 ) 
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ( 4 ) 
فاصبر صبرا جميلا  ( 5 ) ) 
قال أبو جعفر : اختلفت القراء في قراءة قوله : ( 
سأل سائل  ) ، فقرأته عامة قراء 
الكوفة  والبصرة   : ( 
سأل سائل  ) بهمز " سأل سائل" بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب الله ، بمن هو واقع ، وقرأ ذلك بعض قراء 
المدينة   ( سال سائل ) فلم يهمز سأل ، ووجهه إلى أنه فعل من السيل . 
والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز; لإجماع الحجة من القراء على ذلك ، وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأولوه . 
ذكر من تأول ذلك كذلك ، وقال في تأويله نحو قولنا فيه : 
حدثني 
محمد بن سعيد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس ،  قوله : ( 
سأل سائل بعذاب واقع  ) قال : ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع  . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
حكام ،  عن 
عنبسة ،  عن ليث ، عن 
مجاهد   ( 
إن كان هذا هو الحق من عندك  ) . . . الآية ، قال ( 
سأل سائل بعذاب واقع  )  . 
حدثنا 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى;  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  في قول الله : ( 
سأل سائل  ) قال : دعا داع ، ( 
بعذاب واقع  ) قال : يقع في الآخرة ، قال : وهو قولهم : ( 
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء  )  .  
[ ص: 600 ] 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله : ( 
سأل سائل بعذاب واقع  ) قال : سأل عذاب الله أقوام ، فبين الله على من يقع; على الكافرين  . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة ،  قوله : ( 
سأل سائل  ) قال : سأل عن عذاب واقع ، فقال الله : ( 
للكافرين ليس له دافع  )  . 
وأما الذين قرءوا ذلك بغير همز ، فإنهم قالوا : السائل واد من أودية جهنم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قول الله : ( 
سأل سائل بعذاب واقع  ) قال : قال بعض أهل العلم : هو واد في جهنم يقال له سائل  . 
وقوله : ( 
بعذاب واقع للكافرين  ) يقول : سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم ، ومعنى ( للكافرين ) على الكافرين ، كالذي حدثت عن 
الحسين ،  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : ثنا 
عبيد ،  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
بعذاب واقع للكافرين  ) يقول : واقع على الكافرين ، واللام في قوله : ( للكافرين ) من صلة الواقع  . 
وقوله : ( 
ليس له دافع من الله ذي المعارج  ) يقول تعالى ذكره : ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله دافع يدفعه عنهم . 
وقوله : ( 
ذي المعارج  ) يعني : ذا العلو والدرجات والفواضل والنعم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي ،  قال : ثنا 
أبو صالح ،  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  في قوله : ( 
ذي المعارج  ) يقول : العلو والفواضل  . 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
من الله ذي المعارج  ) : ذي الفواضل والنعم  . 
حدثني 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى;  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  في قول الله : ( 
من الله ذي المعارج  ) قال : معارج السماء  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله : ( 
ذي المعارج  )  
[ ص: 601 ] قال : الله ذو المعارج  . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان ،  عن 
الأعمش ،  عن رجل ، عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس   ( 
ذي المعارج  ) قال : ذي الدرجات  . 
وقوله : ( 
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) يقول تعالى ذكره : تصعد الملائكة والروح - وهو 
جبريل  عليه السلام - إليه يعني إلى الله جل وعز ، والهاء في قوله : ( إليه ) عائدة على اسم الله ، ( 
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) يقول : كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة ، وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره ، من فوق السماوات السبع . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15738حكام بن سلم ،  عن 
عمرو بن معروف ،  عن 
ليث ،  عن 
مجاهد   ( 
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) قال : منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السماوات مقدار خمسين ألف سنة; و : يوم كان مقداره ألف سنة ، يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، فذلك مقداره ألف سنة ، لأن ما بين السماء إلى الأرض ، مسيرة خمس مائة عام  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه ، كان قدر ذلك اليوم الذي فرغ فيه من القضاء بينهم قدر خمسين ألف سنة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ،  عن 
عكرمة   ( 
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) قال : في يوم واحد ، يفرغ في ذلك اليوم من القضاء كقدر خمسين ألف سنة  . 
حدثنا 
ابن بشار ،  قال : ثنا 
عبد الرحمن ،  قال : ثنا 
سفيان ،  عن 
سماك ،  عن 
عكرمة   ( 
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) قال : يوم القيامة  . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ،  قال : ثنا 
محمد بن جعفر ،  قال : ثنا 
شعبة ،  عن 
سماك ،  عن 
عكرمة  في هذه الآية ( 
خمسين ألف سنة  ) قال : يوم القيامة  .  
[ ص: 602 ] 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة   ( 
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) : ذاكم يوم القيامة  . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  قال 
معمر   : وبلغني أيضا ، عن 
عكرمة ،  في قوله : ( 
مقداره خمسين ألف سنة  ) : لا يدري أحد كم مضى ، ولا كم بقي إلا الله  . 
حدثني 
علي ،  قال : ثنا 
أبو صالح ،  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  في قوله : ( 
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) فهذا يوم القيامة ، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة  . 
حدثت عن 
الحسين ،  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : أخبرنا 
عبيد ،  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) : يعني يوم القيامة  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله : ( 
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) قال : هذا يوم القيامة  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : أخبرني 
عمرو بن الحارث  أن دراجا حدثه عن 
أبي الهيثم  nindex.php?page=hadith&LINKID=811118عن سعيد ،  أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة  ) ما أطول هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من الصلاة المكتوبة يصليها في الدنيا  " . 
وقد روي عن 
ابن عباس  في ذلك غير القول الذي ذكرنا عنه ، وذلك ما : 
حدثني 
يعقوب بن إبراهيم ،  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن 
أيوب ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ،  أن رجلا سأل 
ابن عباس  عن يوم كان مقداره ألف سنة ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ قال : إنما سألتك لتخبرني ، قال : هما يومان ذكرهما الله في القرآن ، الله أعلم بهما ، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم  . 
حدثنا 
ابن بشار ،  قال : ثنا 
عبد الوهاب ،  قال : ثنا 
أيوب ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ،  قال : سأل رجل 
ابن عباس  عن يوم كان مقداره ألف سنة ، قال : فاتهمه ، فقيل له فيه ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال : إنما سألتك لتخبرني ، فقال : هما يومان ذكرهما الله جل وعز ، الله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا  
[ ص: 603 ] أعلم; وقرأت عامة قراء الأمصار قوله : ( 
تعرج الملائكة والروح  ) بالتاء خلا 
الكسائي ،  فإنه كان يقرأ ذلك بالياء بخبر كان يرويه عن 
ابن مسعود  أنه قرأ ذلك كذلك . 
والصواب من قراءة ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ، وهو بالتاء لإجماع الحجة من القراء عليه . 
وقوله : ( 
فاصبر صبرا جميلا  ) يقول تعالى ذكره : ( 
فاصبر صبرا جميلا  ) يعني : صبرا لا جزع فيه . يقول له : اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك ، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة . 
وكان 
ابن زيد  يقول في ذلك ما حدثني به 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله : ( 
فاصبر صبرا جميلا  ) قال : هذا حين كان يأمره بالعفو عنهم لا يكافئهم ، فلما أمر بالجهاد والغلظة عليهم أمر بالشدة والقتل حتى يتركوا ، ونسخ هذا ، وهذا الذي قاله 
ابن زيد  أنه كان أمر بالعفو بهذه الآية ثم نسخ ذلك ، قول لا وجه له ، لأنه لا دلالة على صحة ما قال من بعض الأوجه التي تصح منها الدعاوى ، وليس في أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الصبر الجميل على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمرا منه له به في بعض الأحوال; بل كان ذلك أمرا من الله له به في كل الأحوال ، لأنه لم يزل صلى الله عليه وسلم من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم ، وهو في كل ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذى قبل أن يأذن الله له بحربهم ، وبعد إذنه له بذلك .