صفحة جزء
[ ص: 289 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وتقطعت بهم الأسباب ( 166 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله شديد العذاب ، إذ تبرأ الذين اتبعوا ، وإذ تقطعت بهم الأسباب .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى "الأسباب " . فقال بعضهم بما : -

2417 - حدثني به يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل بن عياض - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، - عن عبيد المكتب ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الوصال الذي كان بينهم في الدنيا .

2418 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : تواصلهم في الدنيا .

2419 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد - جميعا قالا حدثنا سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد بمثله . [ ص: 290 ]

2420 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : المودة .

2421 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2422 - حدثني القاسم قال : حدثني الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا .

2423 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى قال : أخبرني قيس بن سعد ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : المودة .

2424 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وتقطعت بهم الأسباب " ، أسباب الندامة يوم القيامة ، وأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ، ويتحابون بها ، فصارت عليهم عداوة يوم القيامة ، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ويتبرأ بعضكم من بعض . وقال الله تعالى ذكره : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) [ سورة الزخرف : 67 ] ، فصارت كل خلة عداوة على أهلها إلا خلة المتقين .

2425 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا .

2426 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "وتقطعت بهم الأسباب " ، يقول : الأسباب ، الندامة .



وقال بعضهم : بل معنى "الأسباب " ، المنازل التي كانت لهم من أهل الدنيا . [ ص: 291 ]

ذكر من قال ذلك :

2427 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وتقطعت بهم الأسباب " ، يقول : وتقطعت بهم المنازل .

2428 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الأسباب المنازل .

وقال آخرون : "الأسباب " ، الأرحام .

ذكر من قال ذلك :

2429 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، وقال ابن عباس : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الأرحام .

وقال آخرون : "الأسباب " ، الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا .

ذكر من قال ذلك :

2430 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما "وتقطعت بهم الأسباب " ، فالأعمال .

2431 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : أسباب أعمالهم ، فأهل التقوى أعطوا أسباب أعمالهم وثيقة ، فيأخذون بها فينجون ، والآخرون أعطوا أسباب أعمالهم الخبيثة ، فتقطع بهم فيذهبون في النار . [ ص: 292 ]

قال أبو جعفر : "والأسباب " ، الشيء يتعلق به . قال : و"السبب " الحبل . "والأسباب " جمع "سبب " ، وهو كل ما تسبب به الرجل إلى طلبته وحاجته . فيقال للحبل "سبب " ، لأنه يتسبب بالتعلق به إلى الحاجة التي لا يوصل إليها إلا بالتعلق به . ويقال للطريق "سبب " ، للتسبب بركوبه إلى ما لا يدرك إلا بقطعه . وللمصاهرة "سبب " ، لأنها سبب للحرمة . وللوسيلة "سبب " ، للوصول بها إلى الحاجة ، وكذلك كل ما كان به إدراك الطلبة ، فهو "سبب " لإدراكها .

فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب من القول في تأويل قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن الذين ظلموا أنفسهم - من أهل الكفر الذين ماتوا وهم كفار - يتبرأ عند معاينتهم عذاب الله المتبوع من التابع ، وتتقطع بهم الأسباب .

وقد أخبر تعالى ذكره في كتابه أن بعضهم يلعن بعضا ، وأخبر عن الشيطان أنه يقول لأوليائه : ( ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل ) [ سورة إبراهيم : 22 ] ، وأخبر تعالى ذكره أن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، وأن الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضا ، فقال تعالى ذكره : ( وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون ) [ سورة الصافات : 24 - 25 ] وأن الرجل منهم لا ينفعه نسيبه ولا ذو رحمه ، وإن كان نسيبه لله وليا ، فقال تعالى ذكره في ذلك : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) [ سورة التوبة : 114 ] وأخبر تعالى ذكره أن أعمالهم تصير عليهم حسرات .

وكل هذه المعاني أسباب يتسبب في الدنيا بها إلى مطالب ، فقطع الله منافعها في الآخرة عن الكافرين به ، لأنها كانت بخلاف طاعته ورضاه ، فهي منقطعة [ ص: 293 ] بأهلها . فلا خلال بعضهم بعضا نفعهم عند ورودهم على ربهم ،

ولا عبادتهم أندادهم ولا طاعتهم شياطينهم ؛ ولا دافعت عنهم أرحام فنصرتهم من انتقام الله منهم ، ولا أغنت عنهم أعمالهم ، بل صارت عليهم حسرات . فكل أسباب الكفار منقطعة .

فلا معنى أبلغ - في تأويل قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " - من صفة الله [ ذلك ] وذلك ما بينا من [ تقطع ] جميع أسبابهم دون بعضها ، على ما قلنا في ذلك . ومن ادعى أن المعني بذلك خاص من الأسباب ، سئل عن البيان على دعواه من أصل لا منازع فيه ، وعورض بقول مخالفه فيه . فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية