صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ( 36 ) عن اليمين وعن الشمال عزين ( 37 ) أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ( 38 ) كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ( 39 ) )

يقول تعالى ذكره : فما شأن الذين كفروا بالله قبلك يا محمد مهطعين; وقد بينا معنى الإهطاع ، وما قال أهل التأويل فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكره هنالك .

فقال قتادة فيه ما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) يقول : عامدين .

وقال ابن زيد فيه ما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، [ ص: 619 ] قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) قال : المهطع : الذي لا يطرف . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول : معناه : مسرعين .

وروي فيه عن الحسن ما حدثنا به ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، في قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) قال : منطلقين .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا حماد بن مسعدة ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، مثله .

وقوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) يقول : عن يمينك يا محمد ، وعن شمالك متفرقين حلقا ومجالس ، جماعة جماعة ، معرضين عنك وعن كتاب الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) قال : قبلك ينظرون ، ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : العزين : العصب من الناس عن يمين وشمال ، معرضين عنه ، يستهزئون به .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : مجالس مجنبين .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) يقول : عامدين ، ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) : أي فرقا حول نبي الله صلى الله عليه وسلم ، لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( عزين ) قال : العزين : الحلق المجالس .

حدثنا عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( عزين ) قال : حلقا ورفقاء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : المجلس الذي فيه الثلاثة والأربعة ، والمجالس الثلاثة والأربعة ، أولئك العزون . [ ص: 620 ]

حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، قال : أخبرنا أبو الأحوص ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة يرفعه قال : " ما لي أراكم عزين " والعزين : الحلق المتفرقة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا شقيق ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق حلق ، فقال : "ما لي أراكم عزين" .

حدثني أبو حصين ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة الطائي ، عن جابر بن سمرة ، قال : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن متفرقون ، فقال : "ما لكم عزين" .

حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي ، قال : ثنا الفريابي ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة ، قال : جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناس من أصحابه وهم جلوس ، فقال : "ما لي أراكم عزين حلقا " .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة ، قال : جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناس من أصحابه وهم جلوس ، فقال : "ما لي أراكم عزين حلقا " .

حدثني ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة الطائي ، قال : ثنا جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق ، فقال : "ما لي أراكم عزين" يقول : حلقا ، يعني قوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، في قوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : عزين : متفرقين ، يأخذون يمينا وشمالا ، يقولون : ما قال هذا الرجل .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا حماد بن مسعدة ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، مثله . وواحد العزين : عزة ، كما واحد الثبين ثبة ، وواحد الكرين كرة . ومن العزين قول راعي الإبل :


أخليفة الرحمن إن عشيرتي أمسى سوامهم عزين فلولا

[ ص: 621 ]

وقوله : ( أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ) يقول : أيطمع كل امرئ من هؤلاء الذين كفروا قبلك مهطعين أن يدخله الله جنة نعيم؟ أي بساتين نعيم ينعم فيها .

واختلف القراء في قراءة قوله : ( أن يدخل جنة نعيم ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار : ( يدخل ) بضم الياء على وجه ما لم يسم فاعله ، غير الحسن وطلحة بن مصرف ، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرأانه بفتح الياء ، بمعنى : أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم .

والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، وهي ضم الياء لإجماع الحجة من القراء عليه .

وقوله : ( كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ) يقول عز وجل : ليس الأمر كما يطمع فيه هؤلاء الكفار من أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم .

وقوله : ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) يقول جل وعز : إنا خلقناهم من مني قذر ، وإنما يستوجب دخول الجنة من يستوجبه منهم بالطاعة ، لا بأنه مخلوق ، فكيف يطمعون في دخول الجنة وهم عصاة كفرة .

وقد حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) إنما خلقت من قذر يا ابن آدم ، فاتق الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية