[ ص: 644 ]  [ ص: 645 ]  [ ص: 646 ]  [ ص: 647 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل 
قوله تعالى : ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا  ( 1 ) 
يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا  ( 2 ) 
وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا  ( 3 ) ) 
يقول جل ثناؤه لنبيه 
محمد  صلى الله عليه وسلم : قل يا 
محمد  أوحى الله إلي ( 
أنه استمع نفر من الجن  ) هذا القرآن ( فقالوا ) لقومهم لما سمعوه : ( 
إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد  ) يقول : يدل على الحق وسبيل الصواب ( 
فآمنا به  ) يقول : فصدقناه ( 
ولن نشرك بربنا أحدا  ) من خلقه . 
وكان سبب استماع هؤلاء النفر من الجن القرآن ، كما حدثني 
محمد بن معمر ،  قال : ثنا 
أبو هشام ،  يعني 
المخزومي ،  قال : ثنا 
أبو عوانة ،  عن 
أبي بشر ،  عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس ،  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811123ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم; انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، عامدين إلى سوق عكاظ ،  قال : وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، فقالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء  [ ص: 648 ] إلا شيء حدث . 
قال : فانطلقوا فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حدث ، قال : فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها ، يتتبعون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء; قال : فانطلق النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة ، وهو عامد إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر; قال : فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، قال : فهنالك حين رجعوا إلى قومهم ، فقالوا : يا قومنا ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا  ) قال : فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن  ) وإنما أوحي إليه قول الجن  . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان ،  عن 
عاصم ،  عن 
ورقاء ،  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=812660قدم رهط زوبعة وأصحابه مكة  على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرفوا ، فذلك قوله : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا  ) قال : كانوا تسعة فيهم زوبعة  . 
حدثت عن 
الحسين ،  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : ثنا 
عبيد ،  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن  ) هو قول الله ( 
وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن  ) لم تحرس السماء في الفترة بين 
عيسى  ومحمد;  فلما بعث الله 
محمدا  صلى الله عليه وسلم حرست السماء الدنيا ، ورميت الشياطين بالشهب ، فقال إبليس : لقد حدث في الأرض حدث ، فأمر الجن فتفرقت في الأرض لتأتيه بخبر ما حدث . وكان أول من بعث نفر من أهل نصيبين ، وهي أرض 
باليمن ،  وهم أشراف الجن وسادتهم ، فبعثهم إلى 
تهامة  وما يلي 
اليمن ،  فمضى أولئك النفر ، فأتوا على الوادي وادي نخلة ، وهو من الوادي مسيرة ليلتين ، فوجدوا به نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة ، فسمعوه يتلو القرآن; فلما حضروه ، قالوا : أنصتوا ، فلما قضي ، يعني فرغ من الصلاة ، ولوا إلى قومهم منذرين ، يعني مؤمنين ، لم يعلم بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يشعر أنه صرف إليه ، حتى أنزل الله عليه : ( 
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن  ) . 
وقوله : ( 
وأنه تعالى جد ربنا  ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ، وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه وقدرته . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي ،  قال : ثنا 
أبو صالح ،  قال : ثنا 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  في قوله : ( 
وأنه تعالى جد ربنا  ) يقول : فعله وأمره وقدرته  . 
حدثني 
محمد بن سعد ،  قال : ثنا أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس ،  قوله : ( 
وأنه تعالى جد ربنا  ) يقول : تعالى أمر ربنا  .  
[ ص: 649 ] 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار   nindex.php?page=showalam&ids=12166ومحمد بن المثنى  قالا ثنا 
محمد بن جعفر ،  قال : ثنا 
شعبة ،  عن 
قتادة  في هذه الآية : ( 
تعالى جد ربنا  ) قال : أمر ربنا  . 
حدثنا 
ابن بشار ،  قال : ثنا 
عبد الرحمن ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : ( 
تعالى جد ربنا  ) قال : أمر ربنا  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله : ( 
تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا  ) قال : تعالى أمره أن يتخذ - ولا يكون الذي قالوا - صاحبة ولا ولدا ، وقرأ : ( 
قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد  ) قال : لا يكون ذلك منه  . 
وقال آخرون : عني بذلك جلال ربنا وذكره . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
المعتمر بن سليمان ،  عن أبيه ، قال : قال 
عكرمة ،  في قوله : ( 
جد ربنا  ) قال : جلال ربنا  . 
حدثني 
محمد بن عمارة ،  قال : ثني 
خالد بن يزيد ،  قال : ثنا 
أبو إسرائيل ،  عن 
فضيل ،  عن 
مجاهد ،  في قوله : ( 
وأنه تعالى جد ربنا  ) قال : جلال ربنا  . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران  عن 
سفيان ،  عن 
سليمان التيمي  قال : قال 
عكرمة   : ( 
تعالى جد ربنا  ) جلال ربنا  . 
حدثنا 
بشر ،  قال : ثنا 
يزيد ،  قال : ثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة ،  قوله : ( 
وأنه تعالى جد ربنا  ) : أي تعالى جلاله وعظمته وأمره  . 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
ابن ثور ،  عن 
معمر ،  عن 
قتادة ،  في قوله : ( 
تعالى جد ربنا  ) قال : تعالى أمر ربنا : تعالت عظمته  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : تعالى غنى ربنا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا 
ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا 
المعتمر ،  عن أبيه ، قال : قال 
الحسن ،  في قوله : ( 
تعالى جد ربنا  ) قال : غنى ربنا  . 
حدثنا 
ابن حميد ،  قال : ثنا 
مهران ،  عن 
سفيان ،  عن 
سليمان التيمي ،  عن 
الحسن   ( 
تعالى جد ربنا  ) قال : غنى ربنا  .  
[ ص: 650 ] 
حدثني 
يعقوب بن إبراهيم ،  قال : ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ،  عن 
أبي رجاء ،  عن 
الحسن ،  في قوله : ( 
تعالى جد ربنا  ) قال : غنى ربنا  . 
حدثنا 
الحسن بن عرفة ،  قال : ثنا 
هشيم ،  عن 
سليمان التيمي ،  عن 
الحسن  وعكرمة ،  في قول الله : ( 
وأنه تعالى جد ربنا  ) قال أحدهما : غناه ، وقال الآخر : عظمته  . 
وقال آخرون : عني بذلك الجد الذي هو أب الأب ، قالوا : ذلك كان من كلام جهلة الجن . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
أبو السائب ،  قال : ثني 
أبو جعفر محمد بن عبد الله بن أبي سارة ،  عن أبيه ، عن 
أبي جعفر   : ( 
تعالى جد ربنا  ) قال : كان كلاما من جهلة الجن  . 
وقال آخرون : عني بذلك ذكره . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن عمرو ،  قال : ثنا 
أبو عاصم ،  قال : ثنا 
عيسى;  وحدثني 
الحارث ،  قال : ثنا 
الحسن ،  قال : ثنا 
ورقاء ،  جميعا عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  في قول الله : ( 
تعالى جد ربنا  ) قال : ذكره  . 
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : عني بذلك : تعالت عظمة ربنا وقدرته وسلطانه . 
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن للجد في كلام العرب معنيين أحدهما : الجد الذي هو أبو الأب ، أو أبو الأم ، وذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النفر الذين وصفهم الله بهذه الصفة ، وذلك أنهم قد قالوا : ( 
فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا  ) ومن وصف الله بأن له ولدا أو جدا أو هو أبو أب أو أبو أم ، فلا شك أنه من المشركين . 
والمعنى الآخر : الجد الذي بمعنى الحظ; يقال : فلان ذو جد في هذا الأمر : إذا كان له حظ فيه ، وهو الذي يقال له بالفارسية : البخت ، وهذا المعنى قصده هؤلاء النفر من الجن بقيلهم : ( 
وأنه تعالى جد ربنا  ) إن شاء الله . 
وإنما عنوا أن حظوته من الملك والسلطان والقدرة والعظمة عالية ، فلا يكون له صاحبة ولا ولد; لأن الصاحبة إنما تكون للضعيف العاجز الذي تضطره الشهوة الباعثة إلى اتخاذها ، وأن الولد إنما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوقاع الذي يحدث منه الولد ، فقال النفر من الجن : علا ملك  
[ ص: 651 ] ربنا وسلطانه وقدرته وعظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة ، أو وقاع شيء يكون منه ولد . 
وقد بين عن صحة ما قلنا في ذلك إخبار الله عنهم أنهم إنما نزهوا الله عن اتخاذ الصاحبة والولد بقوله : ( 
وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا  ) يقال منه : رجل جدي وجديد ومجدود ، أي ذو حظ فيما هو فيه ، ومنه قول 
حاتم الطائي   : 
اغزوا بني ثعل فالغزو جدكم عدوا الروابي ولا تبكوا لمن قتلا 
وقال آخر : 
يرفع جدك إني امرؤ     سقتني إليك الأعادي سجالا 
وقوله : ( 
ما اتخذ صاحبة  ) يعني زوجة ( 
ولا ولدا  ) . 
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( 
وأنه تعالى  ) فقرأه 
أبو جعفر القارئ  وستة أحرف أخر بالفتح ، منها : ( 
أنه استمع نفر  ) ( 
وأن المساجد لله  ) ( 
وأنه كان يقول سفيهنا  ) ( 
وأنه كان رجال من الإنس  ) ( 
وأنه لما قام عبد الله يدعوه  ) ( 
وأن لو استقاموا على الطريقة  ) وكان نافع يكسرها إلا ثلاثة أحرف : أحدها : ( 
قل أوحي إلي أنه استمع نفر  ) والثانية ( 
وأن لو استقاموا  ) والثالثة ( 
وأن المساجد لله  ) . وأما قراء 
الكوفة  غير 
عاصم ،  فإنهم يفتحون جميع ما في آخر سورة النجم وأول سورة الجن إلا قوله : ( 
فقالوا إنا سمعنا  ) وقوله : ( 
قل إنما أدعو ربي  ) وما بعده إلى آخر السورة ، وأنهم يكسرون ذلك غير قوله : ( 
ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم  ) . وأما 
عاصم  فإنه كان  
[ ص: 652 ] يكسر جميعها إلا قوله : ( 
وأن المساجد لله  ) فإنه كان يفتحها ، وأما 
أبو عمرو ،  فإنه كان يكسر جميعها إلا قوله : ( 
وأن لو استقاموا على الطريقة  ) فإنه كان يفتح هذه وما بعدها; فأما الذين فتحوا جميعها إلا في موضع القول ، كقوله : ( 
فقالوا إنا سمعنا  ) وقوله : ( 
قل إنما أدعو ربي  ) ونحو ذلك ، فإنهم عطفوا "أن" في كل السورة على قوله : ( 
فآمنا به  ) وآمنا بكل ذلك ، ففتحوها بوقوع الإيمان عليها . وكان الفراء يقول : لا يمنعنك أن تجد الإيمان يقبح في بعض ذلك من الفتح ، وأن الذي يقبح مع ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعل مضارع للإيمان ، فوجب فتح "أن" كما قالت العرب : 
إذا ما الغانيات برزن يوما     وزججن الحواجب والعيونا 
فنصب العيون لاتباعها الحواجب ، وهي لا تزجج ، وإنما تكحل ، فأضمر لها الكحل ، كذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه "آمنا" : صدقنا وآمنا وشهدنا . قال : وبقول النصب قوله : ( 
وأن لو استقاموا على الطريقة  ) فينبغي لمن كسر أن يحذف "أن" من "لو" ; لأن "أن" إذا خففت لم تكن حكاية . ألا ترى أنك تقول : أقول لو فعلت لفعلت ، ولا تدخل "أن" . وأما الذين كسروها كلهم وهم في ذلك يقولون : ( 
وأن لو استقاموا  ) فكأنهم أضمروا يمينا مع "لو" وقطعوها عن النسق على أول الكلام ، فقالوا : والله أن لو استقاموا; قال : والعرب تدخل "أن" في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها ، قال الشاعر : 
فأقسم لو شيء أتانا رسوله     سواك ولكن لم نجد لك مدفعا 
قالوا : وأنشدنا آخر : 
أما والله أن لو كنت حرا     وما بالحر أنت ولا العتيق 
 [ ص: 653 ] 
وأدخل "أن" من كسرها كلها ، ونصب ( 
وأن المساجد لله  ) فإنه خص ، ذلك بالوحي ، وجعل ( 
وأن لو  ) مضمرة فيها اليمين على ما وصفت . وأما 
نافع  فإن ما فتح من ذلك فإنه رده على قوله : ( 
أوحي إلي  ) وما كسره فإنه جعله من قول الجن ، وأحب ذلك إلي أن أقرأ به الفتح فيما كان وحيا ، والكسر فيما كان من قول الجن; لأن ذلك أفصحها في العربية ، وأبينها في المعنى ، وإن كان للقراءات الأخر وجوه غير مدفوعة صحتها .