صفحة جزء
[ ص: 675 ] [ ص: 676 ] [ ص: 677 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها المزمل ( 1 ) قم الليل إلا قليلا ( 2 ) نصفه أو انقص منه قليلا ( 3 ) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ( 4 ) )

يعني بقوله : ( يا أيها المزمل ) هو الملتف بثيابه . وإنما عني بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم .

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية من التزمل ، فقال بعضهم : وصفه بأنه متزمل في ثيابه ، متأهب للصلاة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( يا أيها المزمل ) أي المتزمل في ثيابه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( يا أيها المزمل ) هو الذي تزمل بثيابه .

وقال آخرون : وصفه بأنه متزمل النبوة والرسالة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، في قوله : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا ) قال : زملت هذا الأمر فقم به .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك ، ما قاله قتادة; لأنه قد عقبه بقوله : ( قم الليل ) فكان ذلك بيانا عن أن وصفه بالتزمل بالثياب للصلاة ، وأن ذلك هو أظهر معنييه .

وقوله : ( قم الليل إلا قليلا ) يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قم الليل ) [ ص: 678 ] يا محمد كله ( إلا قليلا ) منه ( نصفه ) يقول : قم نصف الليل ( أو انقص منه قليلا أو زد عليه ) يقول : أو زد عليه; خيره الله تعالى ذكره حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل أي ذلك شاء فعل ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما ذكر يقومون الليل ، نحو قيامهم في شهر رمضان فيما ذكر حتى خفف ذلك عنهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن مسعر ، قال : ثنا سماك الحنفي ، قال : سمعت ابن عباس يقول : لما نزل أول المزمل ، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في رمضان ، وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا محمد بن بشر ، عن مسعر ، قال : ثنا سماك ، أنه سمع ابن عباس يقول ، فذكر نحوه . إلا أنه قال : نحوا من قيامهم في شهر رمضان .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يزيد بن حيان ، عن موسى بن عبيدة ، قال : ثني محمد بن طحلاء مولى أم سلمة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل ، فتسامع به الناس ، فاجتمعوا ، فخرج كالمغضب ، وكان بهم رحيما ، فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل ، فقال : "يا أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون ، فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل ، وخير الأعمال ما دمتم عليه" ونزل القرآن : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ) حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق ، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر ، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن موسى بن عبيدة الحميري ، عن محمد بن طحلاء ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : كنت أشتري لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا ، فكان يقوم عليه من أول الليل ، فتسمع الناس بصلاته ، فاجتمعت جماعة من الناس; فلما رأى اجتماعهم كره ذلك ، فخشي أن يكتب عليهم ، فدخل البيت كالمغضب ، فجعلوا يتنحنحون ويتسعلون حتى خرج إليهم ، فقال : "يا أيها الناس إن الله لا يمل حتى تملوا - يعنى من الثواب - فاكلفوا من العمل ما تطيقون ، فإن خير العمل أدومه وإن قل" ونزلت عليه : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا ) [ ص: 679 ] السورة . قال : فكتبت عليهم ، وأنزلت بمنزلة الفريضة ، حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به; فلما رأى الله ما يكلفون مما يبتغون به وجه الله ورضاه ، وضع ذلك عنهم ، فقال : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه ) . . . إلى ( علم أن لن تحصوه فتاب عليكم ) فردهم إلى الفريضة ، ووضع عنهم النافلة ، إلا ما تطوعوا به .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ) فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا ، فشق ذلك على المؤمنين ، ثم خفف عنهم فرحمهم ، وأنزل الله بعد هذا : ( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض ) . . . إلى قوله : ( فاقرءوا ما تيسر منه ) فوسع الله وله الحمد ، ولم يضيق .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : لما أنزل الله على نبيه : ( يا أيها المزمل ) قال : مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله ، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه ، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وطائفة من الذين معك ) . . . إلى قوله : ( وأقيموا الصلاة ) فخفف الله عنهم بعد عشر سنين .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن ، قالا : قال في سورة المزمل ( قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ) نسختها الآية التي فيها : ( علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( قم الليل إلا قليلا ) قاموا حولا أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم ، فأنزل الله تخفيفا بعد في آخر السورة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : لما نزلت : ( يا أيها المزمل ) قاموا بها حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت : ( فاقرءوا ما تيسر منه ) فاستراح الناس . [ ص: 680 ]

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جرير بياع الملاء عن الحسن ، قال : الحمد لله ، تطوع بعد فريضة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن ، قال : لما نزلت ( يا أيها المزمل ) . . . الآية ، قام المسلمون حولا فمنهم من أطاقه ، ومنهم من لم يطقه ، حتى نزلت الرخصة .

قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان ، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة .

وقوله : ( ورتل القرآن ترتيلا ) يقول جل وعز : وبين القرآن إذا قرأته تبيينا ، وترسل فيه ترسلا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال . ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( ورتل القرآن ترتيلا ) قال : اقرأه قراءة بينة .

حدثنا ابن بشار ، قال . ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( ورتل القرآن ترتيلا ) فقال : بعضه على أثر بعض .

حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي ، قال . ثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( ورتل القرآن ترتيلا ) فقال : بعضه على أثر بعض ، على تؤدة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله ( ورتل القرآن ترتيلا ) قال : ترسل فيه ترسلا .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( ورتل القرآن ترتيلا ) فقال : بعضه على أثر بعض .

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج ، عن عطاء ( ورتل القرآن ترتيلا ) قال : الترتيل : النبذ : الطرح . [ ص: 681 ]

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ورتل القرآن ترتيلا ) قال بينه بيانا .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ( ورتل القرآن ترتيلا ) قال : بينه بيانا .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( ورتل القرآن ترتيلا ) قال : بعضه على أثر بعض .

التالي السابق


الخدمات العلمية