صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ( 5 ) إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ( 6 ) إن لك في النهار سبحا طويلا ( 7 ) )

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) فقال بعضهم : عني به : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا العمل به .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) قال : العمل به ، قال : إن الرجل ليهذ السورة ، ولكن العمل به ثقيل .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) ثقيل والله فرائضه وحدوده .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( ثقيلا ) قال : ثقيل والله فرائضه وحدوده .

وقال آخرون : بل عني بذلك أن القول عينه ثقيل محمله .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه " . [ ص: 682 ]

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) قال : هو والله ثقيل مبارك ، القرآن ، كما ثقل في الدنيا ثقل في الموازين يوم القيامة .

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : إن الله وصفه بأنه قول ثقيل ، فهو كما وصفه به ، ثقيل محمله ، ثقيل العمل بحدوده وفرائضه .

وقوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ) يعني جل وعز بقوله : ( إن ناشئة الليل ) : إن ساعات الليل ، وكل ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل .

وقد اختلف أهل التأويل في ذلك .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة ، قال : قلت لعبد الله بن أبي مليكة : ألا تحدثني أي الليل ناشئة ؟ قال : على الثبت سقطت ، سألت عنها ابن عباس ، فزعم أن الليل كله ناشئة ، وسألت عنها ابن الزبير ، فأخبرني مثل ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( إن ناشئة الليل ) قال : بلسان الحبشة ، إذا قام الرجل من الليل ، قالوا : نشأ .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( إن ناشئة الليل ) نشأ : قام .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي ميسرة ( إن ناشئة الليل ) قال : نشأ : قام .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : إذا قام الرجل من الليل ، فهو ناشئة الليل .

حدثنا هناد بن السري ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : هو الليل كله .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إن ناشئة الليل ) قال : إذا قمت الليل فهو ناشئة .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : كل شيء بعد العشاء [ ص: 683 ] فهو ناشئة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : قيام الليل; قال : وأي ساعة من الليل قام فقد نشأ .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أي الليل قمت فهو ناشئة .

قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن أبي يونس حاتم بن أبى صغيرة ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سألت ابن عباس وابن الزبير عن ناشئة الليل فقالا : كل الليل ناشئة ، فإذا نشأت قائما فتلك ناشئة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : أي ساعة تهجد فيها متهجد من الليل .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إن ناشئة الليل ) يعني الليل كله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبي عامر الخزاز ، ونافع عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : الليل كله .

قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الليل كله إذا قام يصلي فهو ناشئة .

وقال آخرون : بل ذلك ما كان بعد العشاء ، فأما ما كان قبل العشاء فليس بناشئة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : ما بعد العشاء ناشئة .

قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : ما بعد العشاء الآخرة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : ناشئة الليل : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، قال : قال قتادة في [ ص: 684 ] قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة .

وقوله : ( هي أشد وطئا ) اختلفت قراء الأمصار في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والكوفة ( أشد وطئا ) بفتح الواو وسكون الطاء . وقرأ ذلك بعض قراء البصرة ومكة والشام "وطاء" بكسر الواو ومد الألف ، على أنه مصدر من قول القائل : واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

ويعني بقوله : ( هي أشد وطئا ) ناشئة الليل أشد ثباتا من النهار وأثبت في القلب ، وذلك أن العمل بالليل أثبت منه بالنهار . وحكي عن العرب : وطئنا الليل وطأ : إذا ساروا فيه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من أهل التأويل من قرأه بفتح الواو وسكون الطاء ، وإن اختلفت عباراتهم في ذلك .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( هي أشد وطئا ) أي أثبت في الخير ، وأحفظ في الحفظ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( هي أشد وطئا ) قال : القيام بالليل أشد وطئا ، يقول : أثبت في الخير .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ) يقول : ناشئة الليل كانت صلاتهم أول الليل ( هي أشد وطئا ) يقول : هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام ، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ) قال : إن مصلي الليل القائم بالليل ، أشد وطئا : طمأنينة ، أفرغ له قلبا ، وذلك أنه لا يعرض له حوائج ولا شيء .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( هي أشد وطئا ) يقول : قراءة القرآن بالليل أثبت منه بالنهار ، وأشد مواطأة بالليل منه بالنهار . [ ص: 685 ]

وأما الذين قرءوا "وطاء" بكسر الواو ومد الألف ، فقد ذكرت الذي عنوا بقراءتهم ذلك كذلك .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور عن مجاهد ( أشد وطئا ) قال : أن تواطئ قلبك وسمعك وبصرك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ) قال : تواطئ سمعك وبصرك وقلبك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( أشد وطئا ) قال : مواطأة للقول ، وفراغا للقلب .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) قال : أجدر أن تواطئ لك سمعك ، أن تواطئ لك بصرك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( أشد وطئا ) قال : أجدر أن تواطئ سمعك وقلبك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) قال : يواطئ سمعك وبصرك وقلبك بعضه بعضا .

وقوله : ( وأقوم قيلا ) يقول : وأصوب قراءة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : قرأ أنس هذه الآية "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا" فقال له بعض القوم : يا أبا حمزة إنما هي ( وأقوم قيلا ) قال : أقوم وأصوب وأهيأ واحد .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا عبد الحميد الحماني ، عن الأعمش قال : قرأ أنس ( وأقوم قيلا ) وأصوب قيلا; قيل له : يا أبا حمزة إنما هي ( وأقوم ) قال أنس : أصوب وأقوم وأهيأ واحد . [ ص: 686 ]

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وأقوم قيلا ) يقول : أدنى من أن تفقهوا القرآن .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وأقوم قيلا ) : أحفظ للقراءة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأقوم قيلا ) قال : أقوم قراءة لفراغه من الدنيا .

قوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن لك يا محمد في النهار فراغا طويلا تتسع به ، وتتقلب فيه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( سبحا طويلا ) فراغا طويلا ، يعني النوم .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) قال : متاعا طويلا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( سبحا طويلا ) قال : فراغا طويلا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) قال : لحوائجك ، فافرغ لدينك الليل ، قالوا : وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ، ثم إن الله من على العباد فخففها ووضعها ، وقرأ : ( قم الليل إلا قليلا ) . . . إلى آخر الآية ، ثم قال : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ) حتى بلغ قوله : ( فاقرءوا ما تيسر منه ) الليل نصفه أو ثلثه ، ثم جاء أمر أوسع وأفسح ، وضع الفريضة عنه وعن أمته ، فقال : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) . [ ص: 687 ]

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول في قوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) فراغا طويلا . وكان يحيى بن يعمر يقرأ ذلك بالخاء .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبد المؤمن ، عن غالب الليثي ، عن يحيى بن يعمر "من جذيلة قيس " أنه كان يقرأ "سبخا طويلا" قال : وهو النوم .

قال أبو جعفر : والتسبيخ : توسيع القطن والصوف وتنفيشه ، يقال للمرأة : سبخي قطنك ، أي : نفشيه ووسعيه; ومنه قول الأخطل :


فأرسلوهن يذرين التراب كما يذري سبائخ قطن ندف أوتار



وإنما عني بقوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) : إن لك في النهار سعة لقضاء حوائجك وقومك . والسبح والسبخ قريبا المعنى في هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية