صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ( 5 ) عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ( 6 ) ) .

يقول تعالى ذكره : إن الذين بروا بطاعتهم ربهم في أداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، يشربون من كأس ، وهو كل إناء كان فيه شراب ( كان مزاجها ) يقول : كان مزاج ما فيها من الشراب ( كافورا ) يعني : في طيب رائحتها كالكافور . وقد قيل : إن الكافور اسم لعين ماء في الجنة ، فمن قال ذلك ، جعل نصب العين على الرد على الكافور ، تبيانا عنه ، ومن جعل الكافور صفة للشراب نصبها ، أعني العين عن الحال ، وجعل خبر كان قوله : ( كافورا ) ، وقد يجوز نصب العين من وجه ثالث ، وهو نصبها بإعمال يشربون فيها فيكون معنى الكلام : إن الأبرار يشربون عينا يشرب بها عباد الله ، من كأس كان مزاجها كافورا . وقد يجوز أيضا نصبها على المدح ، فأما عامة أهل التأويل فإنهم قالوا : الكافور صفة للشراب على ما ذكرت .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( مزاجها كافورا ) قال : تمزج .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) قال : قوم تمزج لهم بالكافور ، وتختم لهم بالمسك .

وقوله : ( عينا يشرب بها عباد الله ) يقول تعالى ذكره : كان مزاج الكأس التي يشرب بها هؤلاء الأبرار كالكافور في طيب رائحته من عين يشرب بها عباد الله الذين يدخلهم الجنة ، والعين على هذا التأويل نصب على الحال من الهاء التي في ( مزاجها ) [ ص: 94 ] ويعني بقوله : ( يشرب بها عباد الله ) يروى بها وينتقع . وقيل : يشرب بها ويشربها بمعنى واحد . وذكر الفراء أن بعضهم أنشده :


شربن بماء البحر ثم ترقعت متى لجج خضر لهن نئيج



وعني بقوله : " متى لجج " من ، ومثله : إنه يتكلم بكلام حسن ، ويتكلم كلاما حسنا .

وقوله : ( يفجرونها تفجيرا ) يقول تعالى ذكره : يفجرون تلك العين التي يشربون بها كيف شاءوا وحيث شاءوا من منازلهم وقصورهم تفجيرا ، ويعني بالتفجير : الإسالة والإجراء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( يفجرونها تفجيرا ) قال : يعدلونها حيث شاءوا .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( يفجرونها تفجيرا ) قال : يقودونها حيث شاءوا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يفجرونها تفجيرا ) [ ص: 95 ] قال : مستقيد ماؤها لهم يفجرونها حيث شاءوا .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( يفجرونها تفجيرا ) قال : يصرفونها حيث شاءوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية