صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قوارير من فضة قدروها تقديرا ( 16 ) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ( 17 ) عينا فيها تسمى سلسبيلا ( 18 ) ) .

يقول تعالى ذكره : ( قواريرا ) في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض .

كما حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : قال الحسن ، في قوله : ( كانت قوارير قوارير من فضة ) قال : صفاء القوارير في بياض الفضة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن كثير ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قول الله ( قوارير من فضة ) قال : بياض الفضة في صفاء القوارير .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، قال : أخبرنا ابن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : ( كانت قوارير قوارير من فضة ) قال : كان ترابها من فضة .

وقوله : ( قوارير من فضة ) قال : صفاء الزجاج في بياض الفضة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة ، في قوله : ( قوارير قوارير من فضة ) قال : لو احتاج أهل الباطل أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه ، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( قوارير من فضة ) قال : هي من فضة ، وصفاؤها : صفاء القوارير في بياض الفضة . [ ص: 106 ]

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( قوارير من فضة ) قال : على صفاء القوارير ، وبياض الفضة .

وقوله ( قدروها تقديرا ) يقول : قدروا تلك الآنية التي يطاف عليهم بها تقديرا على قدر ريهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( قدروها تقديرا ) قال : قدرت لري القوم .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( قدروها تقديرا ) قال : قدر ريهم .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عمر بن عبيد ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( قوارير من فضة قدروها تقديرا ) قال : لا تنقص ولا تفيض .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( قدروها تقديرا ) قال : لا تترع فتهراق ، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملأى .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( قدروها تقديرا ) لريهم .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( قدروها تقديرا ) قدرت على ري القوم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( من فضة قدروها تقديرا ) قال : قدروها لريهم على قدر شربهم أهل الجنة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( قدروها تقديرا ) قال : ممتلئة لا تهراق ، وليست بناقصة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : قدروها على قدر الكف .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، [ ص: 107 ] عن ابن عباس : ( قدروها تقديرا ) قال : قدرت للكف .

واختلفت القراء في قراءة قوله ( قدروها تقديرا ) فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار : ( قدروها ) بفتح القاف ، بمعنى : قدرها لهم السقاة الذين يطوفون بها عليهم . وروي عن الشعبي وغيره من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك بضم القاف ، بمعنى : قدرت عليهم ، فلا زيادة فيها ولا نقصان .

والقراءة التي لا أستجير القراءة بغيرها فتح القاف ، لإجماع الحجة من القراء عليه .

وقوله : ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) يقول تعالى ذكره : ويسقى هؤلاء القوم الأبرار في الجنة كأسا ، وهي كل إناء كان فيه شراب ، فإذا كان فارغا من الخمر لم يقل له : كأس ، وإنما يقال له : إناء ، كما يقال للطبق الذي تهدى فيه الهدية : المهدى مقصورا ما دامت عليه الهدية فإذا فرغ مما عليه كان طبقا أو خوانا ، ولم يكن مهدى ( كان مزاجها زنجبيلا ) يقول : كان مزاج شراب الكأس التي يسقون منها زنجبيلا .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : يمزج لهم شرابهم بالزنجبيل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( مزاجها زنجبيلا ) قال : تمزج بالزنجبيل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( كان مزاجها زنجبيلا ) قال : يأثر لهم ما كانوا يشربون في الدنيا . زاد الحارث في حديثه : فيحببه إليهم .

وقال بعضهم : الزنجبيل : اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا ) رقيقة يشربها المقربون صرفا ، وتمزج لسائل أهل الجنة . وقوله : ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) يقول تعالى ذكره : عينا في الجنة تسمى سلسبيلا . قيل : عني بقوله سلسبيلا سلسة منقادا ماؤها . [ ص: 108 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) عينا سلسة مستقيدا ماؤها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( تسمى سلسبيلا ) قال : سلسة يصرفونها حيث شاءوا .

وقال آخرون : عني بذلك أنها شديدة الجرية .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) قال : حديدة الجرية .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال : ثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : سلسة الجرية .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) حديدة الجرية .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

واختلف أهل العربية في معنى السلسبيل وفي إعرابه ، فقال بعض نحويي البصرة ، قال بعضهم : إن سلسبيل صفة للعين بالتسلسل . وقال بعضهم : إنما أراد عينا تسمى سلسبيلا أي : تسمى من طيبها السلسبيل أي : توصف للناس كما تقول : الأعوجى والأرحبى والمهري من الإبل ، وكما تنسب الخيل إذا وصفت إلى الخيل المعروفة المنسوبة كذلك تنسب العين إلى أنها تسمى ، لأن القرآن نزل على كلام العرب ، قال : وأنشدني يونس :


صفراء من نبع يسمى سهمها من طول ما صرع الصيود الصيب

[ ص: 109 ]

فرفع الصيب لأنه لم يرد أن يسمى بالصيب ، إنما الصيب من صفة الاسم والسهم ، وقوله : " يسمى سهمها " أي يذكر سهمها . قال : وقال بعضهم : لا بل هو اسم العين ، وهو معرفة ، ولكنه لما كان رأس آية ، وكان مفتوحا ، زيدت فيه الألف ، كما قال : ( كانت قواريرا ) . وقال بعض نحويي الكوفة : السلسبيل : نعت أراد به سلس في الحلق ، فلذلك حري أن تسمى بسلاستها .

وقال آخر منهم : ذكروا أن السلسبيل اسم للعين ، وذكروا أنه صفة للماء لسلسه وعذوبته; قال : ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الإجراء فيه أكثر ، ولم نر أحدا ترك إجراءها وهو جائز في العربية ، لأن العرب تجري ما لا يجرى في الشعر ، كما قال متمم بن نويرة :


فما وجد أظآر ثلاث روائم     رأين مخرا من حوار ومصرعا



فأجرى روائم ، وهي مما لا يجرى .

والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله : ( تسمى سلسبيلا ) صفة للعين ، وصفت بالسلاسة في الحلق ، وفي حال الجري ، وانقيادها لأهل الجنة يصرفونها حيث شاءوا ، كما قال مجاهد وقتادة; وإنما عني بقوله ( تسمى ) : توصف . [ ص: 110 ]

وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لإجماع أهل التأويل على أن قوله : ( سلسبيلا ) صفة لا اسم .

التالي السابق


الخدمات العلمية