صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ( 20 ) فجعلناه في قرار مكين ( 21 ) إلى قدر معلوم ( 22 ) فقدرنا فنعم القادرون ( 23 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 24 ) ) .

يقول تعالى ذكره : ( ألم نخلقكم ) أيها الناس ( من ماء مهين ) يعني : من نطفة ضعيفة .

كما حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) يعني بالمهين : الضعيف .

وقوله : ( فجعلناه في قرار مكين ) يقول : فجعلنا الماء المهين في رحم استقر فيها فتمكن .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( في قرار مكين ) قال : الرحم .

وقوله : ( إلى قدر معلوم ) يقول : إلى وقت معلوم لخروجه من الرحم عند الله ، ( فقدرنا فنعم القادرون ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ( فقدرنا ) بالتشديد . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بالتخفيف .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وإن كنت أوثر التخفيف لقوله : ( فنعم القادرون ) ، إذ كانت العرب قد تجمع بين اللغتين ، كما قال : ( فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) فجمع بين التشديد [ ص: 133 ] والتخفيف ، كما قال الأعشى :


وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا



وقد يجوز أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا . فإنه محكي عن العرب ، قدر عليه الموت ، وقدر - بالتخفيف والتشديد .

وعني بقوله : ( فقدرنا فنعم القادرون ) ما حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن ابن المبارك عن جويبر ، عن الضحاك ( فقدرنا فنعم القادرون ) قال : فملكنا فنعم المالكون .

وقوله : ( ويل يومئذ للمكذبين ) يقول جل ثناؤه : ويل يومئذ للمكذبين بأن الله خلقهم من ماء مهين .

التالي السابق


الخدمات العلمية