صفحة جزء


[ ص: 265 ] [ ص: 266 ] [ ص: 267 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( إذا السماء انفطرت ( 1 ) وإذا الكواكب انتثرت ( 2 ) وإذا البحار فجرت ( 3 ) وإذا القبور بعثرت ( 4 ) علمت نفس ما قدمت وأخرت ( 5 ) ) .

يقول تعالى ذكره : ( إذا السماء انفطرت ) انشقت ، وإذا كواكبها انتثرت منها فتساقطت ، ( وإذا البحار فجرت ) يقول : فجر بعضها في بعض ، فملأ جميعها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في بعض ذلك .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وإذا البحار فجرت ) يقول : بعضها في بعض .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وإذا البحار فجرت ) فجر عذبها في مالحها ، ومالحها في عذبها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( وإذا البحار فجرت ) قال : فجر بعضها في بعض ، فذهب ماؤها . وقال الكلبي : ملئت .

وقوله : ( وإذا القبور بعثرت ) يقول : وإذا القبور أثيرت فاستخرج من فيها من الموتى أحياء ، يقال : بعثر فلان حوض فلان : إذا جعل أسفله أعلاه ، يقال : بعثرة وبحثرة : لغتان .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، [ ص: 268 ] في قوله : ( وإذا القبور بعثرت ) يقول : بحثت .

وقوله : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) يقول تعالى ذكره : علمت كل نفس ما قدمت لذلك اليوم من عمل صالح ينفعه ، وأخرت وراءه من شيء سنه فعمل به .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : ثني عن القرظي ، أنه قال في : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) قال : ما قدمت مما عملت ، وأما ما أخرت فالسنة يسنها الرجل يعمل بها من بعده .

وقال آخرون : عني بذلك ما قدمت من الفرائض التي أدتها ، وما أخرت من الفرائض التي ضيعتها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسروق ، عن عكرمة ( علمت نفس ما قدمت ) قال : ما افترض عليها ( وأخرت ) قال : مما افترض عليها .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) قال : تعلم ما قدمت من طاعة الله ، وما أخرت مما أمرت به من حق لله عليه لم تعمل به .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) قال : ما قدمت من خير ، وأخرت من حق الله عليها لم تعمل به .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، ( ما قدمت وأخرت ) قال : ما قدمت من طاعة الله وما أخرت من حق الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) قال : ما قدمت : عملت ، وما أخرت : تركت وضيعت ، وأخرت من العمل الصالح الذي دعاها الله إليه .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ما قدمت من خير أو شر ، وأخرت من خير أو شر . [ ص: 269 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوام ، عن إبراهيم التيمي ، قال : ذكروا عنده هذه الآية ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) قال : أنا مما أخر الحجاج .

وإنما اخترنا القول الذي ذكرناه ، لأن كل ما عمل العبد من خير أو شر فهو مما قدمه ، وأن ما ضيع من حق الله عليه وفرط فيه فلم يعمله ، فهو مما قد قدم من شر ، وليس ذلك مما أخر من العمل ، لأن العمل هو ما عمله . فأما ما لم يعمله فإنما هو سيئة قدمها ، فلذلك قلنا : ما أخر : هو ما سنه من سنة حسنة وسيئة ، مما إذا عمل به العامل ، كان له مثل أجر العامل بها أو وزره .

التالي السابق


الخدمات العلمية