القول في 
تأويل قوله تعالى : ( إنه هو يبدئ ويعيد  ( 13 ) 
وهو الغفور الودود  ( 14 ) 
ذو العرش المجيد  ( 15 ) 
فعال لما يريد  ( 16 ) 
هل أتاك حديث الجنود  ( 17 ) 
فرعون وثمود  ( 18 ) ) . 
اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( 
إنه هو يبدئ ويعيد  ) فقال بعضهم : معنى ذلك : إن الله أبدى خلقه ، فهو يبتدئ ، بمعنى : يحدث خلقه ابتداء ، ثم يميتهم ، ثم يعيدهم أحياء بعد مماتهم ، كهيئتهم قبل مماتهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن 
الحسين ،  قال : سمعت 
أبا معاذ  يقول : ثنا 
عبيد ،  قال : سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : ( 
يبدئ ويعيد  ) يعني : الخلق . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قوله : ( 
يبدئ ويعيد  ) قال : يبدئ الخلق حين خلقه ، ويعيده يوم القيامة . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه هو يبدئ العذاب ويعيده . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   ( 
إنه هو يبدئ ويعيد  ) قال : يبدئ العذاب ويعيده . 
وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب ، وأشبههما بظاهر ما دل عليه التنزيل القول الذي ذكرناه عن 
ابن عباس ،  وهو أنه يبدئ العذاب لأهل الكفر به ويعيد ، كما قال جل ثناؤه : ( 
فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق  ) في الدنيا ، فأبدأ ذلك لهم في الدنيا ، وهو يعيده لهم في الآخرة . 
وإنما قلت : هذا أولى التأويلين بالصواب ; لأن الله أتبع ذلك قوله : ( 
إن بطش ربك لشديد  ) فكان للبيان عن معنى شدة بطشه الذي قد ذكره قبله ، أشبه به بالبيان  
[ ص: 346 ] عما لم يجر له ذكر ، ومما يؤيد ما قلنا من ذلك وضوحا وصحة ، قوله : ( 
وهو الغفور الودود  ) فبين ذلك عن أن الذي قبله من ذكر خبره عن عذابه وشدة عقابه . 
وقوله : ( 
وهو الغفور الودود  ) يقول تعالى ذكره : وهو ذو المغفرة لمن تاب إليه من ذنوبه ، وذو المحبة له . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي ،  قال : ثنا 
أبو صالح ،  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  قوله : ( 
الغفور الودود  ) يقول : الحبيب  . 
حدثني 
يونس ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب ،  قال : قال 
ابن زيد ،  في قول الله : ( 
الغفور الودود  ) قال : الرحيم . 
وقوله : ( ذو العرش المجيد  ) يقول تعالى ذكره : ذو العرش الكريم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني 
علي ،  قال : ثنا 
أبو صالح ،  قال : ثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس ،  قوله : ( 
ذو العرش المجيد  ) يقول : الكريم  . 
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( المجيد ) فقرأته عامة قراء 
المدينة  ومكة  والبصرة  وبعض الكوفيين رفعا ، ردا على قوله : ( 
ذو العرش  ) على أنه من صفة الله تعالى ذكره . وقرأ ذلك عامة قراء 
الكوفة  خفضا ، على أنه من صفة العرش . 
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . 
وقوله : ( 
فعال لما يريد  ) يقول : هو غفار لذنوب من شاء من عباده إذا تاب وأناب منها ، معاقب من أصر عليها وأقام ، لا يمنعه مانع ، من فعل أراد أن يفعله ، ولا يحول بينه وبين ذلك حائل ؛ لأن له ملك السماوات والأرض ، وهو العزيز الحكيم . 
وقوله : ( 
هل أتاك حديث الجنود  ) يقول تعالى ذكره لنبيه 
محمد  صلى الله عليه وسلم : هل جاءك يا 
محمد  حديث الجنود الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروههم; يقول : قد أتاك ذلك وعلمته ، فاصبر لأذى قومك إياك لما نالوك به من  
[ ص: 347 ] مكروه كما صبر الذين تجند هؤلاء الجنود عليهم من رسلي ، ولا يثنيك عن تبليغهم رسالتي ، كما لم يثن الذين أرسلوا إلى هؤلاء ، فإن عاقبة من لم يصدقك ويؤمن بك منهم إلى عطب وهلاك ، كالذي كان من هؤلاء الجنود ، ثم بين جل ثناؤه عن الجنود من هم ، فقال : ( 
فرعون وثمود  ) يقول : ( فرعون ) ، فاجتزى بذكره ، إذ كان رئيس جنده من ذكر جنده وأتباعه . وإنما معنى الكلام : هل أتاك حديث الجنود ، 
فرعون  وقومه 
وثمود ،  وخفض 
فرعون  ردا على الجنود ، على الترجمة عنهم ، وإنما فتح ؛ لأنه لا يجرى وثمود .