1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "
صفحة جزء
[ ص: 409 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 183 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بهما وأقروا .

ويعني بقوله : " كتب عليكم الصيام " ، فرض عليكم الصيام .

و" الصيام " مصدر ، من قول القائل : " صمت عن كذا وكذا " - يعني : كففت عنه - " أصوم عنه صوما وصياما " . ومعنى " الصيام " ، الكف عما أمر الله بالكف عنه . ومن ذلك قيل : " صامت الخيل " ، إذا كفت عن السير ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :


خيل صيام ، وخيل غير صائمة تحت العجاج ، وأخرى تعلك اللجما



ومنه قول الله تعالى ذكره : ( إني نذرت للرحمن صوما ) [ سورة مريم : 26 ] يعني : صمتا عن الكلام .

وقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، يعني فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم . [ ص: 410 ]

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا .

فقال بعضهم : الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا ، أنه كمثل الذي كان عليهم ، هم النصارى . وقالوا : التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه ، هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه .

ذكر من قال ذلك :

2720 - حدثت عن يحيى بن زياد عن محمد بن أبان [ القرشي ] ، عن أبي أمية الطنافسي عن الشعبي أنه قال : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه ، فيقال : من شعبان ، ويقال : من رمضان . وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل . وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يوما . ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم ، فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما . ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين . فذلك قوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، [ ص: 411 ]

وقال آخرون : بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة . وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم . ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول : أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، النصارى .

ذكر من قال ذلك :

2721 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أما الذين من قبلنا : فالنصارى ، كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان . فاشتد على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف . فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا! فجعلوا صيامهم خمسين . فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى ، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر . [ ص: 412 ]

2722 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة .

وقال آخرون : الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .

ذكر من قال ذلك :

2723 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .

وقال بعضهم : بل ذلك كان على الناس كلهم .

ذكر من قال ذلك :

2724 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب شهر رمضان على الناس ، كما كتب على الذين من قبلهم . قال : وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر .

2725 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، رمضان ، كتبه الله على من كان قبلهم .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى الآية :

يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب ، " أياما معدودات " ، وهي شهر رمضان كله . لأن من بعد إبراهيم [ ص: 413 ] صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع إبراهيم ، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما ، وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة ، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء .

وأما التشبيه ، فإنما وقع على الوقت . وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان ، مثل الذي فرض علينا سواء .

وأما تأويل قوله : " لعلكم تتقون " ، فإنه يعني به : لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه . يقول : فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين ، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم .

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل :

ذكر من قال ذلك :

2726 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : " لعلكم تتقون " ، يقول : فتتقون من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا - يعني : مثل الذي اتقى النصارى قبلكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية