1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام "
صفحة جزء
[ ص: 548 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( 188 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل . فجعل تعالى ذكره بذلك آكل مال أخيه بالباطل ، كالآكل مال نفسه بالباطل .

ونظير ذلك قوله تعالى : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) [ سورة الحجرات : 11 ] وقوله : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) [ سورة النساء : 29 ] بمعنى : لا يلمز بعضكم بعضا ، ولا يقتل بعضكم بعضا لأن الله تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوة ، فقاتل أخيه كقاتل نفسه ، ولامزه كلامز نفسه ، وكذلك تفعل العرب تكني عن نفسها بأخواتها ، وعن أخواتها بأنفسها ، فتقول : "أخي وأخوك أينا أبطش" . يعني : أنا وأنت نصطرع ، فننظر أينا أشد - فيكني المتكلم عن نفسه بأخيه ، لأن أخا الرجل عندها كنفسه ، ومن ذلك قول الشاعر :

أخي وأخوك ببطن النسير ليس به من معد عريب [ ص: 549 ]

فتأويل الكلام : ولا يأكل بعضكم أموال بعض فيما بينكم بالباطل .

" وأكله بالباطل " : أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه .

وأما قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " فإنه يعني : وتخاصموا بها - يعني : بأموالكم - إلى الحكام " لتأكلوا فريقا " طائفة من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون . [ ص: 550 ]

ويعني بقوله : " بالإثم " بالحرام الذي قد حرمه الله عليكم " وأنتم تعلمون " ، أي : وأنتم تتعمدون أكل ذلك بالإثم ، على قصد منكم إلى ما حرم الله عليكم منه ، ومعرفة بأن فعلكم ذلك معصية لله وإثم . . . كما :

3059 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " فهذا في الرجل يكون عليه مال ، وليس عليه فيه بينة ، فيجحد المال ، فيخاصمهم فيه إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه ، وهو يعلم أنه آثم آكل حراما .

3060 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " وتدلوا بها إلى الحكام " قال : لا تخاصم وأنت ظالم .

3061 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3062 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " وكان يقال : من مشى مع خصمه وهو له ظالم ، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق . واعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ولا يحق لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود ، والقاضي بشر يخطئ ويصيب . واعلموا أنه من قد قضي له بالباطل ، فإن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة ، فيقضي على المبطل للمحق ، بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا . [ ص: 552 ]

3063 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " قال : لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم ، فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك .

3064 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون " أما " الباطل " يقول : يظلم الرجل منكم صاحبه ، ثم يخاصمه ليقطع ماله وهو يعلم أنه ظالم ، فذلك قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " .

3065 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني خالد الواسطي عن داود بن أبي هند عن عكرمة قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " قال : هو الرجل يشتري السلعة فيردها ويرد معها دراهم .

3066 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " يقول : يكون أجدل منه وأعرف بالحجة ، فيخاصمه في ماله بالباطل ليأكل ماله بالباطل . وقرأ : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) [ سورة النساء : 29 ] قال : هذا القمار الذي كان يعمل به أهل الجاهلية .

وأصل " الإدلاء " : إرسال الرجل الدلو في سبب متعلقا به في البئر . فقيل للمحتج لدعواه : " أدلى بحجة كيت وكيت " إذا كانت حجته التي يحتج بها سببا [ ص: 552 ] له ، هو به متعلق في خصومته ، كتعلق المستقي من بئر بدلو قد أرسلها فيها بسببها الذي الدلو به متعلقة ، يقال فيهما جميعا - أعني من الاحتجاج ، ومن إرسال الدلو في البئر بسبب : " أدلى فلان بحجته ، فهو يدلي بها إدلاء وأدلى دلوه في البئر ، فهو يدليها إدلاء " .

فأما قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " فإن فيه وجهين من الإعراب :

أحدهما : أن يكون قوله : " وتدلوا " جزما عطفا على قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " أي : ولا تدلوا بها إلى الحكام ، وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة أبي بتكرير حرف النهي : " ولا تدلوا بها إلى الحكام " .

والآخر منهما : النصب على الصرف ، فيكون معناه حينئذ : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأنتم تدلون بها إلى الحكام ، كما قال الشاعر :

    لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم

يعني : لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله .

وهو أن يكون في موضع جزم - على ما ذكر في قراءة أبي - أحسن منه أن يكون نصبا . [ ص: 553 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية