[ ص: 548 ] القول في 
تأويل قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون  ( 188 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني تعالى ذكره بذلك : ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل . فجعل تعالى ذكره بذلك آكل مال أخيه بالباطل ، كالآكل مال نفسه بالباطل . 
ونظير ذلك قوله تعالى : ( 
ولا تلمزوا أنفسكم  ) [ سورة الحجرات : 11 ] وقوله : ( 
ولا تقتلوا أنفسكم  ) [ سورة النساء : 29 ] بمعنى : لا يلمز بعضكم بعضا ، ولا يقتل بعضكم بعضا لأن الله تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوة ، فقاتل أخيه كقاتل نفسه ، ولامزه كلامز نفسه ، وكذلك تفعل العرب تكني عن نفسها بأخواتها ، وعن أخواتها بأنفسها ، فتقول : "أخي وأخوك أينا أبطش" . يعني : أنا وأنت نصطرع ، فننظر أينا أشد - فيكني المتكلم عن نفسه بأخيه ، لأن أخا الرجل عندها كنفسه ، ومن ذلك قول الشاعر : 
أخي وأخوك ببطن النسير ليس به من معد عريب  
[ ص: 549 ] 
فتأويل الكلام : ولا يأكل بعضكم أموال بعض فيما بينكم بالباطل . 
" وأكله بالباطل " : أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه . 
وأما قوله : " 
وتدلوا بها إلى الحكام  " فإنه يعني : وتخاصموا بها - يعني : بأموالكم - إلى الحكام " 
لتأكلوا فريقا  " طائفة من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون .  
[ ص: 550 ] 
ويعني بقوله : " بالإثم " بالحرام الذي قد حرمه الله عليكم " وأنتم تعلمون " ، أي : وأنتم تتعمدون أكل ذلك بالإثم ، على قصد منكم إلى ما حرم الله عليكم منه ، ومعرفة بأن فعلكم ذلك معصية لله وإثم . . . كما : 
3059 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو صالح  قال : حدثني 
معاوية بن صالح  عن 
علي بن أبي طلحة  عن 
ابن عباس   : " 
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام  " فهذا في الرجل يكون عليه مال ، وليس عليه فيه بينة ، فيجحد المال ، فيخاصمهم فيه إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه ، وهو يعلم أنه آثم آكل حراما . 
3060 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  قال : حدثنا 
عيسى  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  في قول الله : " 
وتدلوا بها إلى الحكام  " قال : لا تخاصم وأنت ظالم . 
3061 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  مثله . 
3062 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  عن 
قتادة  قوله : " 
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام  " وكان يقال : من مشى مع خصمه وهو له ظالم ، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق . واعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ولا يحق لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود ، والقاضي بشر يخطئ ويصيب . واعلموا أنه من قد قضي له بالباطل ، فإن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة ، فيقضي على المبطل للمحق ، بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا  .  
[ ص: 552 ] 
3063 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
معمر  عن 
قتادة  في قوله : " 
وتدلوا بها إلى الحكام  " قال : لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم ، فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك  . 
3064 - حدثني 
موسى بن هارون  قال : حدثنا 
عمرو بن حماد  قال : حدثنا 
أسباط  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : " 
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون  " أما " الباطل " يقول : يظلم الرجل منكم صاحبه ، ثم يخاصمه ليقطع ماله وهو يعلم أنه ظالم ، فذلك قوله : " 
وتدلوا بها إلى الحكام  " . 
3065 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
خالد الواسطي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند  عن 
عكرمة  قوله : " 
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل  " قال : هو الرجل يشتري السلعة فيردها ويرد معها دراهم . 
3066 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قوله : " 
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام  " يقول : يكون أجدل منه وأعرف بالحجة ، فيخاصمه في ماله بالباطل ليأكل ماله بالباطل . وقرأ : ( 
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم  ) [ سورة النساء : 29 ] قال : هذا القمار الذي كان يعمل به أهل الجاهلية . 
وأصل " الإدلاء " : إرسال الرجل الدلو في سبب متعلقا به في البئر . فقيل للمحتج لدعواه : " أدلى بحجة كيت وكيت " إذا كانت حجته التي يحتج بها سببا  
[ ص: 552 ] له ، هو به متعلق في خصومته ، كتعلق المستقي من بئر بدلو قد أرسلها فيها بسببها الذي الدلو به متعلقة ، يقال فيهما جميعا - أعني من الاحتجاج ، ومن إرسال الدلو في البئر بسبب : " أدلى فلان بحجته ، فهو يدلي بها إدلاء وأدلى دلوه في البئر ، فهو يدليها إدلاء " . 
فأما قوله : " 
وتدلوا بها إلى الحكام  " فإن فيه وجهين من الإعراب : 
أحدهما : أن يكون قوله : " وتدلوا " جزما عطفا على قوله : " 
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل  " أي : ولا تدلوا بها إلى الحكام ، وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة 
أبي  بتكرير حرف النهي : " ولا تدلوا بها إلى الحكام " . 
والآخر منهما : النصب على الصرف ، فيكون معناه حينئذ : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأنتم تدلون بها إلى الحكام ، كما قال الشاعر : 
    لا تنه عن خلق وتأتي مثله 
عار عليك إذا فعلت عظيم 
يعني : لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله . 
وهو أن يكون في موضع جزم - على ما ذكر في قراءة أبي - أحسن منه أن يكون نصبا .  
[ ص: 553 ]