صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ( 191 ) )

قال أبو جعفر : والقرأة مختلفة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قراء المدينة ومكة : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " بمعنى : ولا تبتدئوا - أيها المؤمنون - [ ص: 567 ] المشركين بالقتال عند المسجد الحرام حتى يبدأوكم به ، فإن بدأوكم به هناك عند المسجد الحرام في الحرم ، فاقتلوهم ، فإن الله جعل ثواب الكافرين على كفرهم وأعمالهم السيئة ، القتل في الدنيا ، والخزي الطويل في الآخرة ، كما :

3105 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " كانوا لا يقاتلون فيه حتى يبدأوا بالقتال ، ثم نسخ بعد ذلك فقال : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " حتى لا يكون شرك " ويكون الدين لله " أن يقال : لا إله إلا الله ، عليها قاتل نبي الله ، وإليها دعا .

3106 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام عن قتادة : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يقاتلهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدأوا فيه بقتال ، ثم نسخ الله ذلك بقوله : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ سورة التوبة : 5 ] فأمر الله نبيه إذا انقضى الأجل أن يقاتلهم في الحل والحرم وعند البيت ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

3107 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " فكانوا لا يقاتلونهم فيه ، ثم نسخ ذلك بعد فقال : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " .

وقال بعضهم : هذه آية محكمة غير منسوخة .

ذكر من قال ذلك :

3108 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فإن قاتلوكم " في الحرم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين [ ص: 568 ] لا تقاتل أحدا فيه ، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك .

وقرأ ذلك عظم قراء الكوفيين : " ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم " بمعنى : ولا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به .

ذكر من قال ذلك :

3109 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي حماد عن حمزة الزيات قال : قلت للأعمش : أرأيت قراءتك : " ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم " ، إذا قتلوهم كيف يقتلونهم؟ قال : إن العرب إذا قتل منهم رجل قالوا : " قتلنا " ، وإذا ضرب منهم رجل قالوا : " ضربنا" .

قال أبو جعفر : وأولى هاتين القراءتين بالصواب ، قراءة من قرأ : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم حتى يقتلوا منهم قتيلا بعد ما أذن له ولهم بقتالهم ، فتكون القراءة بالإذن بقتلهم بعد أن يقتلوا منهم ، أولى من القراءة بما اخترنا . وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنه قد كان تعالى ذكره أذن لهم بقتالهم إذا كان ابتداء القتال من المشركين قبل أن يقتلوا منهم قتيلا وبعد أن يقتلوا منهم قتيلا .

وقد نسخ الله تعالى ذكره هذه الآية بقوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " [ ص: 569 ] وقوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ سورة التوبة : 5 ] ونحو ذلك من الآيات .

وقد ذكرنا بعض قول من قال هي منسوخة ، وسنذكر قول من حضرنا ذكره ممن لم يذكر .

3110 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " قال : نسخها قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .

3111 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " قال : حتى يبدأوكم ، كان هذا قد حرم فأحل الله ذلك له ، فلم يزل ثابتا حتى أمره الله بقتالهم بعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية