صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم [ ص: 7 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

فقال بعضهم : معنى ذلك أتموا الحج بمناسكه وسننه ، وأتموا العمرة بحدودها وسننها .

ذكر من قال ذلك :

3185 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : هو في قراءة عبد الله : "وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" قال : لا تجاوزوا بالعمرة البيت قال إبراهيم : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : كذلك قال ابن عباس .

3186 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه قرأ : " وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" .

3187 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة أنه قرأ : " وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" .

3188 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وأتموا الحج والعمرة لله " ، يقول : من أحرم بحج أو بعمرة فليس له أن يحل حتى يتمها تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل من إحرامه كله ، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، فقد حل . [ ص: 8 ]

3189 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : ما أمروا فيهما .

3190 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : قال إبراهيم عن علقمة بن قيس قال : " الحج" : مناسك الحج ، و" العمرة" : لا يجاوز بها البيت .

3191 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : قال تقضى مناسك الحج عرفة والمزدلفة ومواطنها ، والعمرة للبيت أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحل .

وقال آخرون : تمامهما أن تحرم بهما مفردين من دويرة أهلك .

ذكر من قال ذلك :

3193 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي أنه قال : جاء رجل إلى علي فقال له في هذه الآية : " وأتموا الحج والعمرة لله " أن تحرم من دويرة أهلك .

3194 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، قال : جاء رجل إلى علي رضوان الله عليه ، فقال : أرأيت قول الله عز وجل : " وأتموا الحج والعمرة لله " ؟ قال : أن تحرم من دويرة أهلك .

3195 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محمد بن سوقة ، عن سعيد بن جبير ، قال : من تمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك . [ ص: 9 ]

3196 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ثور بن يزيد ، عن سليمان بن موسى ، عن طاوس ، قال : تمامهما إفرادهما مؤتنفتين من أهلك .

3197 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سفيان ، عن ثور ، عن سليمان بن موسى ، عن طاوس : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : تفردهما مؤقتتين من أهلك ، فذلك تمامهما .

وقال آخرون : تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج ، وتمام الحج أن يؤتى بمناسكه كلها ، حتى لا يلزم عامله دم بسبب قران ولا متعة .

ذكر من قال ذلك :

3198 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : وتمام العمرة ما كان في غير أشهر الحج .

ومن كان في أشهر الحج ، ثم أقام حتى يحج ، فهي متعة . عليه فيها الهدي إن وجد ، وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .

3199 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : ما كان في غير أشهر الحج فهي عمرة تامة ، وما كان في أشهر الحج فهي متعة وعليه الهدي .

3200 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن ابن عون ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة . قال : فقيل له : [ ص: 10 ] العمرة في المحرم؟ قال : كانوا يرونها تامة .

وقال آخرون : إتمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد غيرهما .

ذكر من قال ذلك :

3201 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني رجل ، عن سفيان ، قال هو يعني : تمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة ، وتهل من الميقات . ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة ، حتى إذا كنت قريبا من مكة قلت : لو حججت أو اعتمرت . وذلك يجزئ ، ولكن التمام أن تخرج له لا تخرج لغيره .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أتموا الحج والعمرة لله إذا دخلتم فيهما .

ذكر من قال ذلك :

3202 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ليست العمرة واجبة على أحد من الناس . قال : فقلت له : قول الله تعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " ؟ قال : ليس من الخلق أحد ينبغي له إذا دخل في أمر إلا أن يتمه ، فإذا دخل فيها لم ينبغ له أن يهل يوما أو يومين ثم يرجع ، كما لو صام يوما لم ينبغ له أن يفطر في نصف النهار .

وكان الشعبي يقرأ ذلك رفعا .

3203 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال : حدثني سعيد بن أبي بردة أن الشعبي وأبا بردة تذاكرا العمرة ، قال : فقال الشعبي : تطوع ، " وأتموا الحج والعمرة لله" . وقال أبو بردة : هي واجبة" وأتموا الحج والعمرة لله" .

3204 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن [ ص: 11 ] عون ، عن الشعبي أنه كان يقرأ : " وأتموا الحج والعمرة لله" .

وقد روي عن الشعبي خلاف هذا القول ، وإن كان المشهور عنه من القول هو هذا . وذلك ما : -

3205 - حدثني به المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن الشعبي ، قال : العمرة واجبة .

فقراءة من قال : العمرة واجبة - نصبها ، بمعنى أقيموا فرض الحج والعمرة ، كما : -

3206 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق ، يقول : سمعت مسروقا يقول : أمرتم في كتاب الله بأربع : بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، والعمرة . قال : ثم تلا هذه الآية : ( ولله على الناس حج البيت ) [ سورة آل عمران : 97 ] "وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت" .

3207 - حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا يروي عن الحسن ، عن مسروق ، قال : أمرنا بإقامة أربعة : الصلاة والزكاة ، والعمرة والحج ، فنزلت العمرة من الحج منزلة الزكاة من الصلاة .

3208 - حدثنا ابن بشار ، قال : أنبأنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قال علي بن حسين وسعيد بن جبير ، وسئلا أواجبة العمرة على الناس؟ فكلاهما قال : ما نعلمها إلا واجبة ، كما قال الله : " وأتموا الحج والعمرة لله " .

3209 - حدثنا سوار بن عبد الله ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، قال : سأل رجل سعيد بن جبير عن العمرة فريضة هي أم تطوع؟ قال : فريضة . قال : فإن الشعبي يقول : هي تطوع . قال : كذب [ ص: 12 ] الشعبي ، وقرأ : " وأتموا الحج والعمرة لله "

3210 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة عمن سمع عطاء يقول في قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " ، قال : هما واجبان : الحج ، والعمرة .

قال أبو جعفر : فتأويل هؤلاء في قوله تبارك وتعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " أنهما فرضان واجبان أمر الله تبارك وتعالى بإقامتهما ، كما أمر بإقامة الصلاة ، وأنهما فريضتان ، وأوجب العمرة وجوب الحج . وهم عدد كثير من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من الخالفين ، كرهنا تطويل الكتاب بذكرهم وذكر الروايات عنهم .

وقالوا : معنى قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله" وأقيموا الحج والعمرة .

ذكر بعض من قال ذلك :

3211 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " يقول : أقيموا الحج والعمرة .

3212 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ثوير ، عن أبيه ، عن علي : " وأقيموا الحج والعمرة للبيت" ثم هي واجبة مثل الحج . [ ص: 13 ]

3213 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا ثوير ، عن أبيه ، عن عبد الله : "وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" ثم قال عبد الله : والله لولا التحرج ، وأني لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها شيئا ، لقلت إن العمرة واجبة مثل الحج .

قال أبو جعفر : وكأنهم عنوا بقوله : " أقيموا الحج والعمرة" : ائتوا بهما ، بحدودهما وأحكامهما ، على ما فرض عليكم .

وقال آخرون ممن قرأ قراءة هؤلاء بنصب "العمرة" : العمرة تطوع ورأوا أنه لا دلالة على وجوبها في نصبهم "العمرة" في القراءة ، إذ كان من الأعمال ما قد يلزم العبد عمله وإتمامه بدخوله فيه ، ولم يكن ابتداء الدخول فيه فرضا عليه . وذلك كالحج التطوع ، لا خلاف بين الجميع فيه أنه إذا أحرم به أن عليه المضي فيه وإتمامه ، ولم يكن فرضا عليه ابتداء الدخول فيه . وقالوا : فكذلك العمرة غير فرض واجب الدخول فيها ابتداء ، غير أن على من دخل فيها وأوجبها على نفسه إتمامها بعد الدخول فيها . قالوا : فليس في أمر الله بإتمام الحج والعمرة دلالة على وجوب فرضها . قالوا : وإنما أوجبنا فرض الحج بقوله عز وجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) [ سورة آل عمران : 97 ] .

وممن قال ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 14 ]

3214 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت سعيد بن أبي عروبة ، عن أبي معشر عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : الحج فريضة ، والعمرة تطوع .

3215 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي عروبة ، عن أبي معشر ، عن النخعي ، عن ابن مسعود مثله .

3216 - وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن عثمة ، قال : حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، قال : العمرة ليست بواجبة .

3217 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك ، قال : سألت إبراهيم عن العمرة فقال : سنة حسنة .

3218 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3219 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3220 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3221 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عبد الله بن عون ، عن الشعبي ، قال : العمرة تطوع .

قال أبو جعفر : فأما الذين قرءوا ذلك برفع"العمرة" ، فإنهم قالوا : لا وجه لنصبها ، فالعمرة إنما هي زيارة البيت ، ولا يكون مستحقا اسم معتمر إلا وهو له زائر . قالوا : وإذا كان لا يستحق اسم معتمر إلا بزيارته وهو متى بلغه فطاف به وبالصفا والمروة ، فلا عمل يبقى بعده يؤمر بإتمامه بعد ذلك ، كما يؤمر بإتمامه الحاج بعد بلوغه والطواف به وبالصفا والمروة بإتيان عرفة والمزدلفة والوقوف بالمواضع التي أمر بالوقوف بها ، وعمل سائر أعمال الحج الذي هو من تمامه بعد إتيان البيت [ ص: 15 ] لم يكن لقول القائل للمعتمر : " أتم عمرتك" وجه مفهوم . وإذا لم يكن له وجه مفهوم . فالصواب من القراءة في"العمرة" الرفع على أنه من أعمال البر لله ، فتكون مرفوعة بخبرها الذي بعدها ، وهو قوله : " لله" .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ بنصب" العمرة" على العطف بها على" الحج" ، بمعنى الأمر بإتمامهما له .

ولا معنى لاعتلال من اعتل في رفعها بأن" العمرة" زيارة البيت ، فإن المعتمر متى بلغه ، فلا عمل بقي عليه يؤمر بإتمامه . وذلك أنه إذا بلغ البيت فقد انقضت زيارته وبقي عليه تمام العمل الذي أمره الله به في اعتماره ، وزيارته البيت ، وذلك هو الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، وتجنب ما أمر الله بتجنبه إلى إتمامه ذلك ، وذلك عمل - وإن كان مما لزمه بإيجاب الزيارة على نفسه - غير الزيارة . هذا ، مع إجماع الحجة على قراءة "العمرة" بالنصب ، ومخالفة جميع قرأة الأمصار قراءة من قرأ ذلك رفعا ، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على خطأ من قرأ ذلك رفعا .

وأما أولى القولين اللذين ذكرنا بالصواب في تأويل قوله : " والعمرة لله" على قراءة من قرأ ذلك نصبا فقول عبد الله بن مسعود ، ومن قال بقوله من أن معنى ذلك : وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت بعد إيجابكم إياهما لا أن ذلك أمر من الله عز وجل - بابتداء عملهما والدخول فيهما وأداء عملهما بتمامه - بهذه الآية .

وذلك أن الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا : من أن يكون أمرا من الله عز وجل بإقامتهما ابتداء وإيجابا منه على العباد فرضهما ، وأن يكون أمرا منه بإتمامهما بعد [ ص: 16 ] الدخول فيهما ، وبعد إيجاب موجبهما على نفسه ، فإذ كانت الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا ، فلا حجة فيها لأحد الفريقين على الآخر ، إلا وللآخر عليه فيها مثلها . وإذ كان كذلك ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبر عن الحجة للعذر قاطعا ، وكانت الأمة في وجوبها متنازعة - لم يكن لقول قائل : " هي فرض" بغير برهان دال على صحة قوله - معنى ، إذ كانت الفروض لا تلزم العباد إلا بدلالة على لزومها إياهم واضحة .

فإن ظن ظان أنها واجبة وجوب الحج ، وأن تأويل من تأول قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله" بمعنى : أقيموا حدودهما وفروضهما أولى من تأويلنا ، بما : -

3222 - حدثني به حاتم بن بكير الضبي ، قال : حدثنا أشهل بن حاتم الأرطبائي ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد بن جحادة ، عن رجل ، عن زميل له ، عن أبيه - وكان أبوه يكنى أبا المنتفق - قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ، فدنوت منه ، حتى اختلفت عنق راحلتي وعنق راحلته ، فقلت : يا رسول الله أنبئني بعمل ينجيني من عذاب الله ويدخلني جنته ! قال : " اعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وأقم الصلاة المكتوبة ، وأد الزكاة المفروضة ، وحج واعتمر قال أشهل : وأظنه قال : "وصم رمضان ، وانظر ماذا تحب من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم ، وما تكره من الناس أن يأتوه إليك فذرهم منه" .

وما : - [ ص: 17 ]

3223 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ومحمد بن أبي عدي ، عن شعبة ، عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبي رزين العقيلي رجل من بني عامر قال : قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن ، وقد أدركه [ ص: 18 ] الإسلام ، أفأحج عنه؟ قال : "حج عن أبيك واعتمر" .

وما : -

3224 - حدثني به يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم لكم .

وما أشبه ذلك من الأخبار ، فإن هذه أخبار لا يثبت بمثلها في الدين حجة لوهي أسانيدها ، وأنها - مع وهي أسانيدها - لها في الأخبار أشكال تنبئ عن أن العمرة تطوع لا فرض واجب . وهو ما : - [ ص: 19 ]

3225 - حدثنا به محمد بن حميد ، ومحمد بن عيسى الدامغاني ، قالا حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال : "لا وأن تعتمروا خير لكم" .

3226 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير و حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا شريك ، عن معاوية بن إسحاق ، عن أبي صالح الحنفي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحج جهاد ، والعمرة تطوع . [ ص: 20 ]

قال أبو جعفر : وقد زعم بعض أهل الغباء أنه قد صح عنده أن العمرة واجبة ، بأنه لم يجد تطوعا ، إلا وله إمام من المكتوبة . فلما صح أن العمرة تطوع وجب أن يكون لها فرض ، لأن الفرض إمام التطوع في جميع الأعمال .

فيقال لقائل ذلك : فقد جعل الاعتكاف تطوعا ، فما الفرض منه الذي هو إمام متطوعه؟

ثم يسأل عن الاعتكاف أواجب هو أم غير واجب؟

فإن قال : " واجب" ، خرج من قول جميع الأمة .

وإن قال : تطوع .

قيل : فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعا والعمرة فرضا ، من الوجه الذي يجب التسليم له؟

فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .

وبما استشهدنا من الأدلة ، فإن أولى القراءتين بالصواب في" العمرة" قراءة من قرأها نصبا - وأن أولى التأويلين في قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله" ، تأويل ابن عباس الذي ذكرنا عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه من أنه أمر من الله بإتمام أعمالهما بعد الدخول فيهما وإيجابهما على ما أمر به من حدودهما وسننهما - وأن أولى القولين في" العمرة" بالصواب قول من قال : " هي تطوع لا فرض" - وأن معنى الآية : وأتموا أيها المؤمنون الحج والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وإيجابكموهما على أنفسكم ، على ما أمركم الله من حدودهما .

وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية التي صد فيها عن البيت ، معرفه والمؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خلي بينهم وبين البيت ومبينا لهم فيها ما المخرج لهم من إحرامهم إن أحرموا ، فصدوا عن البيت . [ ص: 21 ]

ولذكر اللازم لهم من الأعمال في عمرتهم التي اعتمروها عام الحديبية ، وما يلزمهم فيها بعد ذلك في عمرتهم وحجهم ، افتتح بقوله : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " .

وقد دللنا فيما مضى على معنى" الحج والعمرة" بشواهد ، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية