1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

فقال بعضهم : معناه : فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه في نفره وتعجله في النفر ، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره .

ذكر من قال ذلك .

3917 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا هشيم ، عن عطاء ، قال : لا إثم عليه في تعجيله ، ولا إثم عليه في تأخيره .

3918 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، مثله .

3919 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن عكرمة ، مثله .

3920 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 216 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فمن تعجل في يومين " ، يوم النفر ، " فلا إثم عليه" ، لا حرج عليه ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" .

3921 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما : "من تعجل في يومين فلا إثم عليه" ، يقول : من نفر في يومين فلا جناح عليه ، ومن تأخر فنفر في الثالث فلا جناح عليه .

3922 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فمن تعجل في يومين " ، يقول : فمن تعجل في يومين - أي : من أيام التشريق"فلا إثم عليه" ، ومن أدركه الليل بمنى من اليوم الثاني من قبل أن ينفر ، فلا نفر له حتى تزول الشمس من الغد" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، يقول : من تأخر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه .

3923 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال : رخص الله في أن ينفروا في يومين منها إن شاءوا ، ومن تأخر في اليوم الثالث فلا إثم عليه .

3924 - حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال في تعجيله .

3925 - حدثني هناد بن السري ، قال : حدثنا ابن أبى زائدة ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : " لا إثم عليه " لا إثم على من تعجل ، ولا إثم على من تأخر .

3926 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : هذا في التعجيل .

3927 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك وإسرائيل ، عن زيد بن جبير ، قال : سمعت ابن عمر يقول : حل النفر في يومين لمن اتقى . [ ص: 217 ]

3928 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" في تعجله ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره .

3929 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أللمكي أن ينفر في النفر الأول؟ قال : نعم ، قال الله عز وجل : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، فهي للناس أجمعين .

3930 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" ، قال : ليس عليه إثم

3931 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين " بعد يوم النحر ، " فلا إثم عليه " ، يقول : من نفر من منى في يومين بعد النحر فلا إثم عليه ، "ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره ، فلا حرج عليه .

3932 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " في تعجله ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره .

وقال آخرون : بل معناه : فمن تعجل في يومين فهو مغفور له لا إثم عليه ، ومن تأخر كذلك .

ذكر من قال ذلك :

3933 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، [ ص: 218 ] عن ثوير ، عن أبيه ، عن عبد الله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : ليس عليه إثم .

3934 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا سفيان ، عن حماد . عن إبراهيم ، عن عبد الله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، أي غفر له" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : غفر له .

3935 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعر ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، أي غفر له .

3936 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، جميعا عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : قد غفر له .

3937 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قد غفر له .

3938 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال في هذه الآية : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " قال : برئ من الإثم .

3939 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن ابن عمر : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " قال : رجع مغفورا له . [ ص: 219 ]

3940 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : قد غفر له .

3941 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن أبي عبد الله ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال : قد غفر له ، إنهم يتأولونها على غير تأويلها ، إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب فكيف بالحج ! .

3942 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن إبراهيم وعامر : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قالا غفر له .

3943 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : حدثني من أصدقه ، عن ابن مسعود قوله : " فلا إثم عليه " ، قال : خرج من الإثم كله" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : برئ من الإثم كله ، وذلك في الصدر عن الحج قال ابن جريج : وسمعت رجلا يحدث عن عطاء بن أبي رباح ، عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : " فلا إثم عليه" ، قال : غفر له ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : غفر له .

3944 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أسود بن سوادة القطان ، قال : سمعت معاوية بن قرة قال : يخرج من ذنوبه . [ ص: 220 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " ، فيما بينه وبين السنة التي بعدها .

ذكر من قال ذلك :

3945 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة ، قال : سألت مجاهدا عن قول الله عز وجل : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : لمن في الحج ، ليس عليه إثم حتى الحج من عام قابل .

وقال آخرون : بل معناه . فلا إثم عليه إن اتقى الله فيما بقي من عمره .

ذكر من قال ذلك :

3946 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي .

3947 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3948 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، مثله .

3949 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : لمن اتقى بشرط .

3950 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، لا جناح عليه "ومن تأخر" إلى اليوم الثالث فلا جناح عليه لمن اتقى وكان ابن عباس يقول : وددت أني من هؤلاء ، ممن يصيبه اسم التقوى .

3951 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : [ ص: 221 ] قال ابن جريج : هي في مصحف عبد الله : " لمن اتقى الله" .

3952 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، فلا حرج عليه ، يقول : لمن اتقى معاصي الله عز وجل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : " فمن تعجل في يومين" من أيام التشريق" فلا إثم عليه" ، أي فلا حرج عليه في تعجيله النفر ، إن هو اتقى قتل الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث ، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلم ينفر فلا حرج عليه .

ذكر من قال ذلك :

3953 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا محمد بن أبي صالح : " لمن اتقى " أن يصيب شيئا من الصيد حتى يمضي اليوم الثالث .

3954 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، ولا يحل له أن يقتل صيدا حتى تخلو أيام التشريق .

وقال آخرون : بل معناه : "فمن تعجل في يومين" من أيام التشريق فنفر "فلا إثم عليه" ، أي مغفور له - "ومن تأخر" فنفر في اليوم الثالث "فلا إثم عليه" ، أي مغفور له إن اتقى على حجه أن يصيب فيه شيئا نهاه الله عنه .

ذكر من قال ذلك :

3955 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 222 ] قوله : " لمن اتقى " ، قال : يقول لمن اتقى على حجه قال قتادة : ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول : من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه - أو : ما سلف من ذنبه .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال : تأويل ذلك : "فمن تعجل في يومين" من أيام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني "فلا إثم عليه" ، لحط الله ذنوبه ، إن كان قد اتقى الله في حجه ، فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه ، وفعل فيه ما أمره الله بفعله ، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده "ومن تأخر" إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غد النفر الأول ، "فلا إثم عليه" ، لتكفير الله له ما سلف من آثامه وإجرامه ، وإن كان اتقى الله في حجه بأدائه بحدوده .

وإنما قلنا أن ذلك أولى تأويلاته [ بالصحة ] ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ومن حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنه قال صلى الله عليه وسلم : " تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة " .

3956 - حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن عاصم ، عن شقيق ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة " . [ ص: 223 ]

3957 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، عن عمرو بن قيس ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

3958 - حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : . حدثنا ابن عيينة ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، عن عمر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تابعوا بين الحج والعمرة ، فإن متابعة ما بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير الخبث أو : خبث الحديد " .

3959 - حدثنا إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثنا سعد بن عبد الحميد ، قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قضيت حجك فأنت مثل ما ولدتك أمك . [ ص: 224 ]

وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب ، مما ينبئ عنه أن من حج فقضاه بحدوده على ما أمره الله ، فهو خارج من ذنوبه ، كما قال جل ثناؤه : " فلا إثم عليه لمن اتقى " الله في حجه . فكان في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوضح عن أن معنى قوله جل وعز : " فلا إثم عليه " ، أنه خارج من ذنوبه ، محطوطة عنه آثامه ، مغفورة له أجرامه وأنه لا معنى لقول من تأول قوله : " فلا إثم عليه " ، فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني ، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث ؛ لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترك عمله ، فيرخص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله; أو فيما كان عليه عمله ، فيرخص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه . فأما ما على العامل عمله فلا وجه لوضع الحرج عنه فيه إن هو عمله ، وفرضه عمله ؛ لأنه محال أن يكون المؤدي فرضا عليه حرجا بأدائه ، فيجوز أن يقال : قد وضعنا عنك فيه الحرج .

وإذ كان ذلك كذلك وكان الحاج لا يخلو عند من تأول قوله : " فلا إثم عليه " فلا حرج عليه ، أو فلا جناح عليه ، من أن يكون فرضه النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق ، فوضع عنه الحرج في المقام ، أو أن يكون فرضه المقام ، [ ص: 225 ] إلى اليوم الثالث ، فوضع عنه الحرج في النفر في اليوم الثاني ، فإن يكن فرضه في اليوم الثاني من أيام التشريق المقام إلى اليوم الثالث منها ، فوضع عنه الحرج في نفره في اليوم الثاني منها - وذلك هو التعجل الذي قيل : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " - فلا معنى لقوله على تأويل من تأول ذلك : " فلا إثم عليه " ، فلا جناح عليه ، " ومن تأخر فلا إثم عليه " . لأن المتأخر إلى اليوم الثالث إنما هو متأخر عن أداء فرض عليه ، تارك قبول رخصة النفر ، فلا وجه لأن يقال : "لا حرج عليك في مقامك على أداء الواجب عليك" ، لما وصفنا قبل - أو يكون فرضه في اليوم الثاني النفر ، فرخص له في المقام إلى اليوم الثالث ، فلا معنى أن يقال : " لا حرج عليك في تعجلك النفر الذي هو فرضك وعليك فعله" ، للذي قدمنا من العلة .

وكذلك لا معنى لقول من قال : معناه : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ولا حرج عليه في نفره ذلك ، إن اتقى قتل الصيد إلى انقضاء اليوم الثالث ؛ لأن ذلك لو كان تأويلا مسلما لقائله لكان في قوله : " ومن تأخر فلا إثم عليه " ، ما يبطل دعواه ؛ لأنه لا خلاف بين الأمة في أن الصيد للحاج بعد نفره من منى في اليوم الثالث حلال ، فما الذي من أجله وضع عنه الحرج في قوله : " ومن تأخر فلا إثم عليه " ، إذا هو تأخر إلى اليوم الثالث ثم نفر ؟ هذا ، مع إجماع الحجة على أن المحرم إذا رمى وذبح وحلق وطاف بالبيت ، فقد حل له كل شيء ، وتصريح الرواية المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك ، التي : -

3960 - حدثنا بها هناد بن السري الحنظلي ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن حجاج ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة قالت : سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها متى يحل المحرم ؟ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رميتم وذبحتم وحلقتم ، حل لكم كل شيء إلا النساء [ ص: 226 ] قال : وذكر الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . [ ص: 227 ]

وأما الذي تأول ذلك أنه بمعنى : " لا إثم عليه إلى عام قابل" ، فلا وجه لتحديد ذلك بوقت ، وإسقاطه الإثم عن الحاج سنة مستقبلة ، دون آثامه السالفة ؛ لأن الله جل ثناؤه لم يحصر ذلك على نفي إثم وقت مستقبل بظاهر التنزيل ، ولا على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام ، بل دلالة ظاهر التنزيل تبين عن أن المتعجل في اليومين والمتأخر لا إثم على كل واحد منهما في حاله التي هو بها دون غيرها من الأحوال .

والخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يصرح بأنه بانقضاء حجه على ما أمر به ، خارج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . ففي ذلك من دلالة ظاهر التنزيل ، وصريح قول الرسول صلى الله عليه وسلم دلالة واضحة على فساد قول من قال : معنى قوله : " فلا إثم عليه " ، فلا إثم عليه من وقت انقضاء حجه إلى عام قابل .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : ما الجالب"اللام" في قوله : " لمن اتقى"؟ وما معناها ؟

قيل : الجالب لها معنى قوله : " فلا إثم عليه" ؛ لأن في قوله : " فلا إثم عليه" معنى : حططنا ذنوبه وكفرنا آثامه ، فكان في ذلك معنى : جعلنا تكفير الذنوب لمن اتقى الله في حجه ، فترك ذكر" جعلنا تكفير الذنوب" ، اكتفاء بدلالة قوله : " فلا إثم عليه " .

وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه كأنه إذا ذكر هذه الرخصة فقد أخبر عن أمر ، فقال : " لمن اتقى " أي : هذا لمن اتقى . وأنكر بعضهم ذلك من قوله ، وزعم أن الصفة لا بد لها من شيء تتعلق به ؛ لأنها لا تقوم بنفسها ، ولكنها فيما زعم من صلة" قول" متروك ، فكان معنى الكلام عنده" قلنا" : " ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " ، [ ص: 228 ] وقام قوله : " ومن تأخر فلا إثم عليه " ، مقام"القول" .

وزعم بعض أهل العربية أن موضع طرح الإثم في المتعجل ، فجعل في المتأخر وهو الذي أدى ولم يقصر مثل ما جعل على المقصر ، كما يقال في الكلام : "إن تصدقت سرا فحسن ، وإن أظهرت فحسن" ، وهما مختلفان ، لأن المتصدق علانية إذا لم يقصد الرياء فحسن ، وإن كان الإسرار أحسن .

وليس في وصف حالتي المتصدقين بالحسن وصف إحداهما بالإثم . وقد أخبر الله عز وجل عن النافرين بنفي الإثم عنهما ، ومحال أن ينفي عنهما إلا ما كان في تركه الإثم على ما تأوله قائلو هذه المقالة . وفي إجماع الجميع على أنهما جميعا لو تركا النفر وأقاما بمنى لم يكونا آثمين ، ما يدل على فساد التأويل الذي تأوله من حكينا عنه هذا القول .

وقال أيضا : فيه وجه آخر ، وهو معنى نهي الفريقين عن أن يؤثم أحد الفريقين الآخر ، كأنه أراد بقوله : " فلا إثم عليه " ، لا يقل المتعجل للمتأخر : " أنت آثم" ، ولا المتأخر للمتعجل : "أنت آثم" ، بمعنى : فلا يؤثمن أحدهما الآخر .

وهذا أيضا تأويل لقول جميع أهل التأويل مخالف ، وكفى بذلك شاهدا على خطئه .

التالي السابق


الخدمات العلمية