1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى"الأمة " : في هذا الموضع ، وفي" الناس " الذين وصفهم الله بأنهم : كانوا أمة واحدة .

فقال بعضهم : هم الذين كانوا بين آدم ونوح ، وهم عشرة قرون ، كلهم كانوا على شريعة من الحق ، فاختلفوا بعد ذلك .

ذكر من قال ذلك :

4048 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام بن منبه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان بين نوح وآدم عشرة قرون ، كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا" . [ ص: 276 ]

4049 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : كانوا على الهدى جميعا فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، فكان أول نبي بعث نوح .

قال أبو جعفر : فتأويل"الأمة" على هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس "الدين" ، كما قال النابغة الذبياني :


حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع؟



يعني ذا الدين .

فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء : كان الناس أمة مجتمعة على ملة واحدة ودين واحد فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .

وأصل"الأمة" ، الجماعة تجتمع على دين واحد ، ثم يكتفى بالخبر عن"الأمة" من الخبر عن"الدين" ، لدلالتها عليه ، كما قال جل ثناؤه : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) [ سورة المائدة : 48 ، سورة النحل : 93 ] ، يراد به أهل دين واحد وملة واحدة . فوجه ابن عباس في تأويله قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، إلى أن الناس كانوا أهل دين واحد حتى اختلفوا .

وقال آخرون : بل تأويل ذلك كان آدم على الحق إماما لذريته ، فبعث الله النبيين في ولده . ووجهوا معنى"الأمة" إلى طاعة الله ، والدعاء إلى توحيده واتباع أمره ، من قول الله عز وجل ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ) [ سورة النحل : 120 ] ، يعني بقوله : " أمة " ، إماما في الخير يقتدى به ، ويتبع عليه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 277 ]

4050 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : آدم .

4051 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

4052 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : آدم ، قال : كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، قال مجاهد : آدم أمة وحده ،

وكأن من قال هذا القول ، استجاز بتسمية الواحد باسم الجماعة لاجتماع أخلاق الخير الذي يكون في الجماعة المفرقة فيمن سماه ب "الأمة" ، كما يقال : "فلان أمة وحده" ، يقوم مقام الأمة .

وقد يجوز أن يكون سماه بذلك ؛ لأنه سبب لاجتماع الأشتات من الناس على ما دعاهم إليه من أخلاق الخير ، فلما كان آدم صلى الله عليه وسلم سببا لاجتماع من اجتمع على دينه من ولده إلى حال اختلافهم سماه بذلك"أمة" .

وقال آخرون : معنى ذلك كان الناس أمة واحدة على دين واحد يوم استخرج ذرية آدم من صلبه ، فعرضهم على آدم .

ذكر من قال ذلك :

4053 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع [ ص: 278 ] قوله : " كان الناس أمة واحدة " - وعن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، قال : كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ، ففطرهم يومئذ على الإسلام ، وأقروا له بالعبودية ، وكانوا أمة واحدة مسلمين كلهم ، ثم اختلفوا من بعد آدم فكان أبي يقرأ : "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" إلى" فيما اختلفوا فيه " . وإن الله إنما بعث الرسل وأنزل الكتب عند الاختلاف .

4054 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : حين أخرجهم من ظهر آدم لم يكونوا أمة واحدة قط غير ذلك اليوم" فبعث الله النبيين " ، قال : هذا حين تفرقت الأمم .

وتأويل الآية على هذا القول نظير تأويل قول من قال يقول ابن عباس : إن الناس كانوا على دين واحد فيما بين آدم ونوح - وقد بينا معناه هنالك; إلا أن الوقت الذي كان فيه الناس أمة واحدة مخالف الوقت الذي وقته ابن عباس .

وقال آخرون بخلاف ذلك كله في ذلك ، وقالوا : إنما معنى قوله : " كان الناس أمة واحدة" ، على دين واحد ، فبعث الله النبيين .

ذكر من قال ذلك :

4055 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، يقول : كان دينا واحدا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات في هذه الآية بالصواب أن يقال إن الله عز وجل أخبر عباده أن الناس كانوا أمة واحدة على دين واحد وملة واحدة . كما : - [ ص: 279 ]

4056 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " كان الناس أمة واحدة " ، يقول : دينا واحدا على دين آدم ، فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .

وكان الدين الذي كانوا عليه دين الحق ، كما قال أبي بن كعب ، كما : -

4057 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : هي في قراءة ابن مسعود : "اختلفوا عنه" عن الإسلام .

فاختلفوا في دينهم ، فبعث الله عند اختلافهم في دينهم النبيين مبشرين ومنذرين ، " وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " ، رحمة منه جل ذكره بخلقه واعتذارا منه إليهم .

وقد يجوز أن يكون ذلك الوقت الذي كانوا فيه أمة واحدة من عهد آدم إلى عهد نوح عليهما السلام ، كما روى عكرمة ، عن ابن عباس ، وكما قاله قتادة .

وجائز أن يكون كان ذلك حين عرض على آدم خلقه . وجائز أن يكون كان ذلك في وقت غير ذلك - ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر يثبت به الحجة على أي هذه الأوقات كان ذلك . فغير جائز أن نقول فيه إلا ما قال الله عز وجل من أن الناس كانوا أمة واحدة ، فبعث الله فيهم لما اختلفوا الأنبياء والرسل . ولا يضرنا [ ص: 280 ] الجهل بوقت ذلك ، كما لا ينفعنا العلم به ، إذا لم يكن العلم به لله طاعة ،

غير أنه أي ذلك كان ، فإن دليل القرآن واضح على أن الذين أخبر الله عنهم أنهم كانوا أمة واحدة ، إنما كانوا أمة واحدة على الإيمان ودين الحق دون الكفر بالله والشرك به . وذلك أن الله جل وعز قال في السورة التي يذكر فيها" يونس " : ( وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ) [ يونس : 19 ] . فتوعد جل ذكره على الاختلاف لا على الاجتماع ، ولا على كونهم أمة واحدة ، ولو كان اجتماعهم قبل الاختلاف كان على الكفر ثم كان الاختلاف بعد ذلك ، لم يكن إلا بانتقال بعضهم إلى الإيمان ، ولو كان ذلك كذلك لكان الوعد أولى بحكمته جل ثناؤه في ذلك الحال من الوعيد ؛ لأنها حال إنابة بعضهم إلى طاعته ، ومحال أن يتوعد في حال التوبة والإنابة ، ويترك ذلك في حال اجتماع الجميع على الكفر والشرك .

قال أبو جعفر : وأما قوله : " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " ، فإنه يعني أنه أرسل رسلا يبشرون من أطاع الله بجزيل الثواب ، وكريم المآب ويعني بقوله : " ومنذرين " ، ينذرون من عصى الله فكفر به ، بشدة العقاب ، وسوء الحساب والخلود في النار" وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " ، يعني بذلك : ليحكم الكتاب - وهو التوراة - بين الناس فيما اختلف المختلفون فيه . فأضاف جل ثناؤه"الحكم" إلى"الكتاب" ، وأنه الذي يحكم بين الناس دون النبيين والمرسلين ، إذ كان من حكم من النبيين والمرسلين بحكم ، إنما يحكم بما دلهم عليه الكتاب الذي أنزل الله عز وجل ، فكان الكتاب بدلالته على ما دل وصفه على صحته من الحكم ، حاكما بين الناس ، وإن كان الذي يفصل القضاء بينهم غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية