1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " .

فقال بعضهم : معناه : ولا تجعلوه علة لأيمانكم ، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس قال : " علي يمين بالله أن لا أفعل ذلك " - أو" قد حلفت بالله أن لا أفعله " ، فيعتل في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 420 ]

4351 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ، ثم يعتل بيمينه ، يقول الله : " أن تبروا وتتقوا " هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح ، وإن حلفت كفرت عن يمينك وفعلت الذي هو خير لك .

4352 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مثله إلا أنه قال : وإن حلفت فكفر عن يمينك ، وافعل الذي هو خير .

4353 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن السدي عمن حدثه عن ابن عباس في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدق ، أو أن يكون بينه وبين إنسان مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول : " قد حلفت " . قال : يكفر عن يمينه : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " .

4354 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا " ، يقول : لا تعتلوا بالله ، أن يقول أحدكم إنه تألى أن لا يصل رحما ، ولا يسعى في صلاح ، ولا يتصدق من ماله . مهلا مهلا بارك الله فيكم ، فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان ، فلا تطيعوه ، ولا تنفذوا له أمرا في شيء من نذروكم ولا أيمانكم .

4355 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبر ، فإذا قيل له ، قال : " قد حلفت " . [ ص: 421 ]

4356 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال سألت عطاء عن قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير ، الأمر الحسن ، يقول : " حلفت " ! قال الله : افعل الذي هو خير وكفر عن يمينك ، ولا تجعل الله عرضة .

4357 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية : هو الرجل يحرم ما أحل الله له على نفسه ، فيقول : " قد حلفت! فلا يصلح إلا أن أبر يميني " ، فأمرهم الله أن يكفروا أيمانهم ويأتوا الحلال .

4358 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، أما " عرضة " ، فيعرض بينك وبين الرجل الأمر ، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله . وأما " تبروا " ، فالرجل يحلف لا يبر ذا رحمه فيقول : " قد حلفت! " ، فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه ، وليبره ، ولا يبالي بيمينه . وأما " تصلحوا " ، فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه ، فيحلف أن لا يصلح بينهما ، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه . وهذا قبل أن تنزل الكفارات .

4359 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين ، فلا يمنعه يمينه . [ ص: 422 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم ، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير .

ذكر من قال ذلك :

4360 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، يقول : لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .

4361 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا " .

4362 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف أن لا يبر قرابته ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين . يقول : فليفعل ، وليكفر عن يمينه .

4363 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن إبراهيم النخعي في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : لا تحلف أن لا تتقي الله ، ولا تحلف أن لا تبر ولا تعمل خيرا ، ولا تحلف أن لا تصل ، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس ، ولا تحلف أن تقتل وتقطع .

4364 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن داود عن سعيد بن جبير ومغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة " [ ص: 423 ] الآية ، قالا هو الرجل يحلف أن لا يبر ، ولا يتقي ، ولا يصلح بين الناس . وأمر أن يتقي الله ، ويصلح بين الناس ، ويكفر عن يمينه .

4365 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، فأمروا بالصلة والمعروف والإصلاح بين الناس . فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله ، وليدع يمينه .

4366 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية ، قال : ذلك في الرجل يحلف أن لا يبر ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس . فأمره الله أن يدع يمينه ، ويصل رحمه ، ويأمر بالمعروف ، ويصلح بين الناس .

4367 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا محمد بن حرب قال : حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قالت : لا تحلفوا بالله وإن بررتم .

4368 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : حدثت أن قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، الآية ، نزلت في أبي بكر ، في شأن مسطح .

4369 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية ، قال : يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر ، ولا يصل رحمه . [ ص: 424 ]

4370 - حدثني المثنى حدثنا سويد أخبرنا ابن المبارك عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين . فلا يمنعه يمينه .

4371 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبى سلمة عن سعيد عن مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يصنع خيرا ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس . نهاهم الله عن ذلك .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية ، تأويل من قال : معنى ذلك : " لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبين الله وبين الناس " .

وذلك أن " العرضة " ، في كلام العرب ، القوة والشدة . يقال منه : " هذا الأمر عرضة لك " يعني بذلك : قوة لك على أسبابك ، ويقال : " فلانة عرضة للنكاح " ، أي قوة ، ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق :

من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول

يعني ب " عرضتها " : قوتها وشدتها . [ ص: 425 ]

فمعنى قوله تعالى ذكره : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " إذا : لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس . ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البر والإصلاح بين الناس ، فليحنث في يمينه ، وليبر ، وليتق الله ، وليصلح بين الناس ، وليكفر عن يمينه .

وترك ذكر " لا " من الكلام ، لدلالة الكلام عليها ، واكتفاء بما ذكر عما ترك ، كما قال امرؤ القيس :

    فقلت يمين الله أبرح قاعدا
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

بمعنى : فقلت : يمين الله لا أبرح ، فحذف " لا " ، اكتفاء بدلالة الكلام عليها .

وأما قوله : " أن تبروا " ، فإنه اختلف في تأويل " البر " الذي عناه الله تعالى ذكره .

فقال بعضهم : هو فعل الخير كله . وقال آخرون : هو البر بذي رحمه ، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى .

وأولى ذلك بالصواب قول من قال : " عني به فعل الخير كله " . وذلك أن أفعال الخير كلها من " البر " ، ولم يخصص الله في قوله : " أن تبروا " معنى دون معنى من معاني " البر " ، فهو على عمومه ، والبر بذوي القرابة أحد معاني " البر " .

وأما قوله : " وتتقوا " ، فإن معناه : أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في [ ص: 426 ] فرائضه وحدوده أن تضيعوها أو تتعدوها . وقد ذكرنا تأويل من تأول ذلك أنه بمعنى " التقوى " قبل .

وقال آخرون في تأويله بما : -

4372 - حدثني به محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس في قوله : " أن تبروا وتتقوا " قال : كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " الآية . قال : ويقال : لا يتق بعضكم بعضا بي ، تحلفون بي وأنتم كاذبون ليصدقكم الناس ، وتصلحون بينهم ، فذلك قوله : " أن تبروا وتتقوا " ، الآية .

وأما قوله : " وتصلحوا بين الناس " ، فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مأثم فيه ، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه .

وأما الذي ذكرنا عن السدي : من أن هذه الآية نزلت قبل نزول كفارات الأيمان ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة . والخبر عما كان ، لا تدرك صحته إلا بخبر صادق ، وإلا كان دعوى لا يتعذر مثلها وخلافها على أحد .

وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في " سوره المائدة " ، واكتفى بذكرها هناك عن إعادتها ههنا ، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجب من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحالف .

التالي السابق


الخدمات العلمية