صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن الله غفور رحيم ( 226 ) )

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : " فإن الله غفور " لكم فيما اجترمتم بفيئكم إليهن ، من الحنث في اليمين التي حلفتم عليهن بالله أن لا تغشوهن " رحيم " بكم في تخفيفه عنكم كفارة أيمانكم التي حلفتم عليهن ، ثم حنثتم فيه .

ذكر من قال ذلك :

4546 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن : " فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم " ، قال : لا كفارة عليه .

4547 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة عن الحسن قال : إذا فاء فلا كفارة عليه .

4548 - حدثنا المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : حدثنا [ ص: 475 ] أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم قال : كانوا يرون في قول الله : " فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم " : أن كفارته فيؤه .

قال أبو جعفر : وهذا التأويل الذي ذكرنا هو التأويل الواجب على قول من زعم أن كل حانث في يمين هو في المقام عليها حرج ، فلا كفارة عليه في حنثه فيها ، وأن كفارته الحنث فيها .

وأما على قول من أوجب على الحانث في كل يمين حلف بها [ كفارة ] برا كان الحنث فيها أو غير بر ، فإن تأويله : " فإن الله غفور " للمولين من نسائهم فيما حنثوا فيه من إيلائهم ، فإن فاءوا فكفروا أيمانهم ، بما ألزم الله الحانثين في أيمانهم من الكفارة ، " رحيم " بهم بإسقاطه عنهم العقوبة في العاجل والآجل على ذلك ، بتكفيره إياه بما فرض عليهم من الجزاء والكفارة ، وبما جعل لهم من المهل الأشهر الأربعة ، فلم يجعل فيها للمرأة التي آلى منها زوجها ما جعل لها بعد الأشهر الأربعة ، كما : -

4549 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان قال : أخبرنا ابن المبارك قال : حدثنا يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول : " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق " - قال : وتلك رحمة الله! ملكه أمرها الأربعة الأشهر إلا من معذرة . لأن الله قال : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع ) [ سورة النساء : 34 ] .

ذكر بعض من قال : إذا فاء المولي فعليه الكفارة . [ ص: 476 ]

4550 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " ، وهو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها ، فيتربص أربعة أشهر ، فإن هو نكحها كفر يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .

4551 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس قال : حدثني ابن شهاب عن سعيد بن المسيب بنحوه .

4552 - حدثنا المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم قال : إذا آلى فغشيها قبل الأربعة الأشهر ، كفر عن يمينه .

4553 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم - في النفساء يولي منها زوجها - قال : هذه في محارب ، سئل عنها أصحاب عبد الله فقالوا : إذا لم يستطع كفر عن يمينه وأشهد على الفيء .

4554 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : إن فاء فيها كفر يمينه ، وهي امرأته .

4555 - حدثت عن عمار عن ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع مثله .

4556 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام عن الأعمش عن إبراهيم [ ص: 477 ] في الإيلاء قال : يوقف قبل أن تمضي الأربعة الأشهر ، فإن راجعها فهي امرأته ، وعليه يمين : يكفرها إذا حنث .

قال أبو جعفر : وهذا التأويل الثاني هو الصحيح عندنا في ذلك ، لما قد بينا من العلل في كتابنا ( كتاب الأيمان ) من أن الحنث موجب الكفارة في كل ما ابتدئ فيه الحنث من الأيمان بعد الحلف ، على معصية كانت اليمين أو على طاعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية