القول في تأويل 
قوله ( وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت  ) 
قال 
أبو جعفر   : وهذا الخبر من الله - تعالى ذكره - عن نبيه الذي أخبر عنه به دليل على أن الملأ من 
بني إسرائيل  الذين قيل لهم هذا القول لم يقروا ببعثة الله 
طالوت  عليهم ملكا إذ أخبرهم نبيهم بذلك ، وعرفهم فضيلته التي فضله الله بها ، ولكنهم سألوه الدلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به . فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا : " والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم " فقالوا له : ما آية ذلك إن كنت من الصادقين ؟ " وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " . وهذه القصة - وإن كانت خبرا من الله - تعالى ذكره - عن الملإ من 
بني إسرائيل  ونبيهم ، وما كان من ابتدائهم نبيهم بما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيله ، ونبأ عما كان منهم من تكذيبهم نبيهم بعد علمهم بنبوته ، ثم إخلافهم الموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله من  
[ ص: 316 ] الجهاد في سبيل الله بالتخلف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه ، وفتح الله على القليل من الفئة ، مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه - فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذراريهم وأبنائهم يهود 
قريظة  والنضير  ، وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم 
محمدا   - صلى الله عليه وسلم - فيما أمرهم به ونهاهم عنه مع علمهم بصدقه ، ومعرفتهم بحقيقة نبوته ، بعدما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته ، وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم 
شمويل بن بالي  ، مع علمهم بصدقه ، ومعرفتهم بحقية نبوته ، وامتناعهم من الجهاد مع 
طالوت  لما ابتعثه الله ملكا عليهم ، بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم ويجاهدون معه في سبيل ربهم ، ابتداء منهم بذلك نبيهم ، وبعد مراجعة نبيهم 
شمويل  إياهم في ذلك ، وحض لأهل الإيمان بالله وبرسوله من أصحاب 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - على الجهاد في سبيله ، وتحذير منه لهم أن يكونوا في التخلف عن نبيهم 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - عند لقائه العدو ، ومناهضته أهل الكفر بالله وبه على مثل الذي كان عليه الملأ من 
بني إسرائيل  في تخلفهم عن ملكهم 
طالوت  إذ زحف لحرب عدو الله 
جالوت  ، وإيثارهم الدعة والخفض على مباشرة حر الجهاد والقتال في سبيل الله ، وشحذ منه لهم على الإقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب ، وترك تهيب قتالهم أن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم بقوله : ( 
قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين  ) [ سورة البقرة : 249 ] ، وإعلام منه  
[ ص: 317 ]  - تعالى ذكره - عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر . 
وأما تأويل قوله : " 
وقال لهم نبيهم  " فإنه يعني : للملأ من 
بني إسرائيل  الذين قالوا لنبيهم : " 
ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله  " . 
وقوله : " إن آية ملكه " : إن علامة ملك 
طالوت  التي سألتمونيها دلالة على صدقي في قولي : إن الله بعثه عليكم ملكا ، وإن كان من غير سبط المملكة " أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " وهو التابوت الذي كانت 
بنو إسرائيل  إذا لقوا عدوا لهم قدموه أمامهم ، وزحفوا معه ، فلا يقوم لهم معه عدو ، ولا يظهر عليهم أحد ناوأهم ، حتى ضيعوا أمر الله ، وكثر اختلافهم على أنبيائهم ، فسلبهم الله إياه مرة بعد مرة ، يرده إليهم في كل ذلك ، حتى سلبهم آخرها مرة فلم يرده عليهم ، ولن يرده إليهم آخر الأبد . 
ثم اختلف أهل التأويل في سبب مجيء التابوت الذي جعل الله مجيئه إلى 
بني إسرائيل  آية لصدق نبيهم 
شمويل  على قوله : " 
إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا  " وهل كانت 
بنو إسرائيل  سلبوه قبل ذلك فرده الله عليهم حين جعل مجيئه آية لملك 
طالوت  ، أو لم يكونوا سلبوه قبل ذلك ، ولكن الله ابتدأهم به ابتداء ؟ 
فقال بعضهم : بل كان ذلك عندهم من عهد 
موسى  وهارون  يتوارثونه ، حتى سلبهم إياه ملوك من أهل الكفر به ، ثم رده الله عليهم آية لملك 
طالوت   . وقال في  
[ ص: 318 ] سبب رده عليهم ما أنا ذاكره وهو ما : - 
5658 - حدثني به 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
إسماعيل بن عبد الكريم  قال : حدثني 
عبد الصمد بن معقل   : أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه  قال : كان 
لعيلى  الذي ربى 
شمويل ،  ابنان شابان أحدثا في القربان شيئا لم يكن فيه ، كان مسوط القربان الذي كانوا يسوطونه به كلابين فما أخرجا كان للكاهن الذي يسوطه ، فجعله ابناه كلاليب . وكانا إذا جاء النساء يصلين في القدس يتشبثان بهن . فبينا 
شمويل  نائم قبل البيت الذي كان ينام فيه 
عيلى  إذ سمع صوتا يقول : 
أشمويل   ! ! فوثب إلى 
عيلى  فقال : لبيك ! ما لك ! دعوتني ؟ فقال : لا ! ارجع فنم ! فرجع فنام ، ثم سمع صوتا آخر يقول : 
أشمويل   ! ! فوثب إلى 
عيلى   - أيضا - فقال : لبيك ! ما لك ! دعوتني ؟ فقال : لم أفعل ، ارجع فنم ، فإن سمعت شيئا فقل : " لبيك " مكانك " مرني فأفعل " ! فرجع فنام ، فسمع صوتا أيضا يقول : 
أشمويل   ! ! فقال : لبيك أنا هذا ! مرني أفعل ! قال : انطلق إلى 
عيلى  فقل له : " منعه حب الولد أن يزجر ابنيه أن يحدثا في قدسي وقرباني ، وأن يعصياني ، فلأنزعن منه الكهانة ومن ولده ، ولأهلكنه وإياهما " ! فلما أصبح سأله 
عيلى  فأخبره ، ففزع لذلك فزعا شديدا . فسار إليهم عدو ممن  
[ ص: 319 ] حولهم ، فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو . فخرجا وأخرجا معهما التابوت الذي كان فيه اللوحان وعصا 
موسى  لينصروا به . فلما تهيئوا للقتال هم وعدوهم ، جعل 
عيلى  يتوقع الخبر ماذا صنعوا ؟ فجاءه رجل يخبره وهو قاعد على كرسيه : إن ابنيك قد قتلا وإن الناس قد انهزموا ! قال : فما فعل التابوت ؟ قال : ذهب به العدو ! قال : فشهق ووقع على قفاه من كرسيه فمات . وذهب الذين سبوا التابوت حتى وضعوه في بيت آلهتهم ، ولهم صنم يعبدونه ، فوضعوه تحت الصنم ، والصنم من فوقه ، فأصبح من الغد والصنم تحته وهو فوق الصنم . ثم أخذوه فوضعوه فوقه وسمروا قدميه في التابوت ، فأصبح من الغد قد تقطعت يدا الصنم ورجلاه ، وأصبح ملقى تحت التابوت . فقال بعضهم لبعض : قد علمتم أن إله 
بني إسرائيل  لا يقوم له شيء ، فأخرجوه من بيت آلهتكم ! فأخرجوا التابوت فوضعوه في ناحية من قريتهم ، فأخذ أهل تلك الناحية التي وضعوا فيها التابوت وجع في أعناقهم ، فقالوا : ما هذا ؟ ! فقالت لهم جارية كانت عندهم من سبي 
بني إسرائيل   : لا تزالون ترون ما تكرهون ما كان هذا التابوت فيكم ! فأخرجوه من قريتكم ! قالوا : كذبت ! قالت : إن آية ذلك أن تأتوا ببقرتين لهما أولاد لم يوضع عليهما نير قط ، ثم تضعوا وراءهم العجل ، ثم تضعوا التابوت على العجل وتسيروهما وتحبسوا أولادهما ، فإنهما تنطلقان به مذعنتين ، حتى إذا خرجتا من أرضكم ووقعتا في أرض 
بني إسرائيل  كسرتا نيرهما ، وأقبلتا إلى أولادهما . ففعلوا ذلك ، فلما خرجتا من أرضهم ووقعتا في أدنى أرض 
بني إسرائيل  كسرتا نيرهما ، وأقبلتا إلى أولادهما . ووضعتاه في خربة فيها حصاد من 
بني إسرائيل ،  ففزع إليه  
[ ص: 320 ] بنو إسرائيل  وأقبلوا إليه ، فجعل لا يدنو منه أحد إلا مات . فقال لهم نبيهم 
شمويل   : اعترضوا ، فمن آنس من نفسه قوة فليدن منه . فعرضوا عليه الناس ، فلم يقدر أحد يدنو منه إلا رجلان من 
بني إسرائيل ،  أذن لهما بأن يحملاه إلى بيت أمهما ، وهي أرملة . فكان في بيت أمهما حتى ملك 
طالوت  ، فصلح أمر 
بني إسرائيل  مع 
أشمويل   . 
5659 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق  قال : حدثني بعض أهل العلم ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه  قال : قال 
شمويل  لبني إسرائيل  لما قالوا له : أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ؟ قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ، وإن آية ملكه - وإن تمليكه من قبل الله - أن يأتيكم التابوت ، فيرد عليكم الذي فيه من السكينة وبقية مما ترك 
آل موسى  وآل هارون  ، وهو الذي كنتم تهزمون به من لقيكم من العدو ، وتظهرون به عليه . قالوا : فإن جاءنا التابوت فقد رضينا وسلمنا ! وكان العدو الذين أصابوا التابوت أسفل من الجبل جبل 
إيليا  فيما بينهم وبين 
مصر  ، وكانوا أصحاب أوثان ، وكان فيهم 
جالوت   . وكان 
جالوت  رجلا قد أعطي بسطة في الجسم ، وقوة في البطش ، وشدة في الحرب ، مذكورا بذلك في الناس . وكان التابوت حين استبي قد جعل في قرية من قرى 
فلسطين  يقال لها : " 
أزدود   " فكانوا قد جعلوا التابوت في  
[ ص: 321 ] كنيسة فيها أصنامهم . فلما كان من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان : من وعد 
بني إسرائيل  أن التابوت سيأتيهم - جعلت أصنامهم تصبح في الكنيسة منكسة على رءوسها ، وبعث الله على أهل تلك القرية فأرا ، تبيت الفأرة الرجل فيصبح ميتا ، قد أكلت ما في جوفه من دبره . قالوا : تعلمون والله لقد أصابكم بلاء ما أصاب أمة من الأمم مثله ، وما نعلمه أصابنا إلا مذ كان هذا التابوت بين أظهرنا ! ! مع أنكم قد رأيتم أصنامكم تصبح كل غداة منكسة ، شيء لم يكن يصنع بها حتى كان هذا التابوت معها ! فأخرجوه من بين أظهركم . فدعوا بعجلة فحملوا عليها التابوت ، ثم علقوها بثورين ، ثم ضربوا على جنوبهما ، وخرجت الملائكة بالثورين تسوقهما ، فلم يمر التابوت بشيء من الأرض إلا كان قدسا . فلم يرعهم إلا التابوت على عجلة يجرها الثوران ، حتى وقف على 
بني إسرائيل  ، فكبروا وحمدوا الله ، وجدوا في حربهم ، واستوسقوا على 
طالوت   . 
5660 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قال 
ابن عباس   : لما قال لهم نبيهم : إن الله اصطفى 
طالوت  عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم - أبوا أن يسلموا له الرياسة ، حتى قال لهم : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " . فقال لهم : أرأيتم إن جاءكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ! !  
[ ص: 322 ] وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها . فنزل فجمع ما بقي فجعله في ذلك التابوت . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : أخبرني 
يعلى بن مسلم  ، عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس   : أنه لم يبق من الألواح إلا سدسها . قال : وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت - والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا - فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إلى التابوت ، حتى وضعته عند 
طالوت   . فلما رأوا ذلك قالوا : نعم ! فسلموا له وملكوه . قال : وكان الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين يديهم . ويقولون : إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن . وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية ، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة  . 
5661 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
عبد الصمد بن معقل   : أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه  يقول : إن 
أرميا  لما خرب 
بيت المقدس  وحرقت الكتب ، وقف في ناحية الجبل فقال : " 
أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام  " . ثم رد الله من رد من 
بني إسرائيل  على رأس سبعين سنة من حين أماته ، يعمرونها ثلاثين سنة تمام المئة . فلما ذهبت المئة ، رد الله إليه روحه ، وقد عمرت ، فهي على حالتها الأولى . 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 
فلما أراد أن يرد عليهم التابوت أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم إما 
دانيال  وإما غيره : إن كنتم تريدون أن يرفع عنكم المرض ، فأخرجوا عنكم هذا التابوت ! قالوا : بآية ماذا ؟ قال : بآية أنكم تأتون ببقرتين صعبتين لم تعملا عملا قط ، فإذا نظرتا  
[ ص: 323 ] إليه وضعتا أعناقهم للنير حتى يشد عليهما ، ثم يشد التابوت على عجل ، ثم يعلق على البقرتين ، ثم يخليان فيسيران حيث يريد الله أن يبلغهما . ففعلوا ذلك ، ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما ، فسارت البقرتان سيرا سريعا ، حتى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا نيرهما ، وقطعتا حبالهما ، وذهبتا . فنزل إليهما 
داود  ومن معه ، فلما رأى 
داود  التابوت حجل إليه فرحا به - فقلنا 
لوهب   : ما حجل إليه ؟ قال : شبيه بالرقص - فقالت له امرأته : لقد خففت حتى كاد الناس يمقتونك لما صنعت ! قال : أتبطئيني عن طاعة ربي ! ! لا تكونين لي زوجة بعد هذا . ففارقها  . 
وقال آخرون : بل التابوت الذي جعله الله آية لملك 
طالوت  كان في البرية ، وكان 
موسى   - صلى الله عليه وسلم - خلفه عند فتاه 
يوشع  ، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار 
طالوت   .  
[ ص: 324 ] 
ذكر من قال ذلك : 
5662 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  في قوله : " 
إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم  " الآية . كان موسى تركه عند فتاه 
يوشع بن نون  وهو بالبرية ، وأقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في دار 
طالوت  فأصبح في داره  . 
5663 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن 
الربيع  في قوله : " 
إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت  " الآية ، قال : كان موسى - فيما ذكر لنا - ترك التابوت عند فتاه 
يوشع بن نون  وهو في البرية . فذكر لنا أن الملائكة حملته من البرية حتى وضعته في دار 
طالوت  ، فأصبح التابوت في داره  . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله 
ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه   : من أن التابوت كان عند عدو 
لبني إسرائيل  كان سلبهموه . وذلك أن الله - تعالى ذكره - قال مخبرا عن نبيه في ذلك الزمان قوله لقومه من 
بني إسرائيل   : " 
إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت  " و " الألف واللام " لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلا في معروف عند المتخاطبين به . وقد عرفه المخبر والمخبر . فقد علم بذلك أن معنى الكلام : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه ، الذي كنتم تستنصرون به ، فيه سكينة من ربكم . ولو كان ذلك تابوتا من التوابيت غير معلوم عندهم قدره  
[ ص: 325 ] ومبلغ نفعه قبل ذلك ، لقيل : إن آية ملكه أن يأتيكم تابوت فيه سكينة من ربكم . 
فإن ظن ذو غفلة أنهم كانوا قد عرفوا ذلك التابوت وقدر نفعه وما فيه وهو عند 
موسى  ويوشع  ، فإن ذلك ما لا يخفى خطؤه . وذلك أنه لم يبلغنا أن 
موسى  لاقى عدوا قط بالتابوت ولا فتاه 
يوشع  ، بل الذي يعرف من أمر 
موسى  وأمر 
فرعون  ما قص الله من شأنهما ، وكذلك أمره وأمر الجبارين . وأما فتاه 
يوشع  ، فإن الذين قالوا هذه المقالة زعموا أن 
يوشع  خلفه في التيه حتى رد عليهم حين ملك 
طالوت   . فإن كان الأمر على ما وصفوه فأي الأحوال للتابوت الحال التي عرفوه فيها ، فجاز أن يقال : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه وعرفتم أمره ؟ وفي فساد هذا القول بالذي ذكرنا أبين الدلالة على صحة القول الآخر ، إذ لا قول في ذلك لأهل التأويل غيرهما . 
وكانت صفة التابوت فيما بلغنا كما : 
5664 - حدثنا 
محمد بن عسكر  والحسن بن يحيى  قالا : أخبرنا 
عبد الرزاق  قال : أخبرنا 
بكار بن عبد الله  قال : سألنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه  عن تابوت 
موسى   : ما كان ؟ قال : كان نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين .