صفحة جزء
[ ص: 326 ] القول في تأويل قوله ( فيه سكينة من ربكم )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " فيه " في التابوت " سكينة من ربكم " .

واختلف أهل التأويل في معنى " السكينة " .

فقال بعضهم : هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان .

ذكر من قال ذلك :

5665 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : حدثنا محمد بن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي وائل ، عن علي بن أبي طالب قال : السكينة ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان .

5666 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا سفيان عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الأحوص ، عن علي قال : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، ثم هي ريح هفافة .

5667 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن العوام بن حوشب ، عن سلمة بن كهيل ، عن علي بن أبي طالب في قوله : " فيه سكينة من ربكم " قال : ريح هفافة لها صورة . وقال يعقوب في حديثه : لها وجه . وقال ابن المثنى : كوجه الإنسان .

5668 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سلمة بن كهيل قال : قال علي : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، وهي ريح هفافة . [ ص: 327 ]

5669 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة قال : قال علي : السكينة ريح خجوج ، ولها رأسان .

5670 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن سماك قال : سمعت خالد بن عرعرة ، يحدث عن علي نحوه .

5671 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة ، وحماد بن سلمة ، وأبو الأحوص ، كلهم عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، عن علي نحوه .

وقال آخرون : لها رأس كرأس الهرة وجناحان .

ذكر من قال ذلك :

5672 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " فيه سكينة من ربكم " قال : أقبلت السكينة [ والصرد ] وجبريل مع إبراهيم من الشأم قال ابن أبي نجيح ، سمعت مجاهدا يقول : السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان .

5673 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .

5674 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : السكينة لها جناحان وذنب . [ ص: 328 ]

5675 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : لها جناحان وذنب مثل ذنب الهرة .

وقال آخرون : بل هي رأس هرة ميتة .

ذكر من قال ذلك :

5677 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، عن بعض أهل العلم من بني إسرائيل قال : السكينة رأس هرة ميتة ، كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ هر ، أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح .

وقال آخرون : إنما هي طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء .

ذكر من قال ذلك :

5678 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : " فيه سكينة من ربكم " قال : طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء .

5679 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فيه سكينة من ربكم " السكينة : طست من ذهب يغسل فيها قلوب الأنبياء ، أعطاها الله موسى ، وفيها وضع الألواح . وكانت الألواح - فيما بلغنا - من در وياقوت وزبرجد .

وقال آخرون : " السكينة " روح من الله تتكلم .

ذكر من قال ذلك :

5680 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا بكار [ ص: 329 ] بن عبد الله قال : سألنا وهب بن منبه فقلنا له : السكينة ؟ قال : روح من الله يتكلم ، إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون .

5681 - حدثنا محمد بن عسكر قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا بكار بن عبد الله : أنه سمع وهب بن منبه ، فذكر نحوه .

وقال آخرون : " السكينة " ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليه .

ذكر من قال ذلك :

5682 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله : " فيه سكينة من ربكم " الآية ، قال : أما السكينة فما يعرفون من الآيات ، يسكنون إليها .

وقال آخرون : " السكينة " الرحمة .

ذكر من قال ذلك :

5683 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فيه سكينة من ربكم " أي رحمة من ربكم .

وقال آخرون : " السكينة " هي الوقار .

ذكر من قال ذلك :

5684 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فيه سكينة من ربكم " أي وقار .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالحق في معنى " السكينة " ما قاله عطاء بن أبي رباح : من الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي يعرفونها . وذلك أن [ ص: 330 ] " السكينة " في كلام العرب " الفعيلة " من قول القائل : " سكن فلان إلى كذا وكذا " إذا اطمأن إليه وهدأت عنده نفسه " فهو يسكن سكونا وسكينة " مثل قولك : " عزم فلان هذا الأمر عزما وعزيمة " " وقضى الحاكم بين القوم قضاء وقضية " ومنه قول الشاعر :


لله قبر غالها ! ماذا يجن ؟ لقد أجن سكينة ووقارا



وإذا كان معنى " السكينة " ما وصفت ، فجائز أن يكون ذلك على ما قاله علي بن أبي طالب على ما روينا عنه ، وجائز أن يكون ذلك على ما قاله مجاهد على ما حكينا عنه ، وجائز أن يكون ما قاله وهب بن منبه وما قاله السدي ؛ لأن كل ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس ، وتثلج بهن الصدور . وإذا كان معنى " السكينة " ما وصفنا ، فقد اتضح أن الآية التي كانت في التابوت ، التي كانت النفوس تسكن إليها لمعرفتها بصحة أمرها ، إنما هي مسماة بالفعل وهي غيره ، لدلالة الكلام عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية