صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ( 255 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " ولا يئوده حفظهما " ولا يشق عليه ولا يثقله .

يقال منه : " قد آدني هذا الأمر فهو يؤودني أودا وإيادا " ويقال : " ما آدك فهو لي آئد " يعني بذلك : ما أثقلك فهو لي مثقل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

5799 - حدثنا المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : [ ص: 404 ] حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ولا يئوده حفظهما " يقول : لا يثقل عليه .

5800 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه حفظهما .

5801 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا يئوده حفظهما " لا يثقل عليه لا يجهده حفظهما .

5802 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه شيء .

5803 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه حفظهما .

5804 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة وحدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قالا جميعا : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه .

5805 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن عبيد ، عن الضحاك مثله .

5806 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعته يعني خلادا يقول : سمعت أبا عبد الرحمن المديني يقول في هذه الآية : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يكبر عليه .

5807 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن [ ص: 405 ] ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يكرثه .

5808 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه .

5809 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولا يئوده حفظهما " يقول : لا يثقل عليه حفظهما .

5810 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يعز عليه حفظهما .

قال أبو جعفر : " والهاء " " والميم " " والألف " في قوله : " حفظهما " من ذكر " السموات والأرض " . فتأويل الكلام : وسع كرسيه السموات والأرض ، ولا يثقل عليه حفظ السموات والأرض .

وأما تأويل قوله : " وهو العلي " فإنه يعني : والله العلي .

" والعلي " " الفعيل " من قولك : " علا يعلو علوا " إذا ارتفع ، " فهو عال وعلي " " والعلي " ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته .

وكذلك قوله : " العظيم " ذو العظمة ، الذي كل شيء دونه ، فلا شيء أعظم منه كما : -

5811 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " العظيم " الذي قد كمل في عظمته . [ ص: 406 ]

قال أبو جعفر : واختلف أهل البحث في معنى قوله : .

" وهو العلي " .

فقال بعضهم : يعني بذلك ; وهو العلي عن النظير والأشباه ، وأنكروا أن يكون معنى ذلك : " وهو العلي المكان " . وقالوا : غير جائز أن يخلو منه مكان ، ولا معنى لوصفه بعلو المكان ؛ لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان .

وقال آخرون : معنى ذلك : وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه ؛ لأنه - تعالى ذكره - فوق جميع خلقه وخلقه دونه ، كما وصف به نفسه أنه على العرش ، فهو عال بذلك عليهم .

وكذلك اختلفوا في معنى قوله : " العظيم " .

فقال بعضهم : معنى " العظيم " في هذا الموضع : المعظم ، صرف " المفعل " إلى " فعيل " كما قيل للخمر المعتقة : " خمر عتيق " كما قال الشاعر : .


وكأن الخمر العتيق من الإس فنط ممزوجة بماء زلال



وإنما هي " معتقة " . قالوا : فقوله " العظيم " معناه : المعظم الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه . قالوا : وإنما يحتمل قول القائل : " هو عظيم " أحد معنيين : أحدهما : ما وصفنا من أنه معظم ، والآخر : أنه عظيم في المساحة والوزن . قالوا : وفي بطول القول بأن يكون معنى ذلك : أنه عظيم في المساحة والوزن صحة القول بما قلنا . [ ص: 407 ]

وقال آخرون : بل تأويل قوله : " العظيم " هو أن له عظمة هي له صفة .

وقالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظم المعروف من العباد ؛ لأن ذلك تشبيه له بخلقه ، وليس كذلك . وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها ، وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه " معظم " لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الخلق ؛ لأنه لا معظم له في هذه الأحوال .

وقال آخرون : بل قوله : إنه " العظيم " وصف منه نفسه بالعظم . وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية