صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " الطاغوت " .

فقال بعضهم : هو الشيطان . [ ص: 417 ]

ذكر من قال ذلك :

5834 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد العبسي قال : قال عمر بن الخطاب : الطاغوت : الشيطان .

5835 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثني ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد ، عن عمر مثله .

5836 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عمن حدثه ، عن مجاهد قال : الطاغوت : الشيطان .

5837 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا زكريا ، عن الشعبي قال : الطاغوت : الشيطان .

5838 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " فمن يكفر بالطاغوت " قال : الشيطان .

5839 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة الطاغوت : الشيطان .

5840 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " فمن يكفر بالطاغوت " بالشيطان .

وقال آخرون : الطاغوت : هو الساحر .

ذكر من قال ذلك :

5841 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، [ ص: 418 ] عن أبي العالية ، أنه قال : الطاغوت : الساحر .

وقد خولف عبد الأعلى في هذه الرواية ، وأنا ذاكر الخلاف بعد .

5842 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا عوف ، عن محمد قال : الطاغوت : الساحر .

وقال آخرون : بل " الطاغوت " هو الكاهن .

ذكر من قال ذلك :

5843 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : الطاغوت : الكاهن .

5844 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن رفيع قال : الطاغوت : الكاهن .

5845 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فمن يكفر بالطاغوت " قال : كهان تنزل عليها شياطين ، يلقون على ألسنتهم وقلوبهم . أخبرني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أنه سمعه يقول : - وسئل عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال - : كان في جهينة واحد ، وفي أسلم واحد ، وفي كل حي واحد ، وهي كهان ينزل عليها الشيطان . [ ص: 419 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في " الطاغوت " أنه كل ذي طغيان على الله ، فعبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عبده ، وإما بطاعة ممن عبده له ، وإنسانا كان ذلك المعبود ، أو شيطانا ، أو وثنا ، أو صنما ، أو كائنا ما كان من شيء .

وأرى أن أصل " الطاغوت " " الطغووت " من قول القائل : " طغا فلان يطغو " إذا عدا قدره ، فتجاوز حده ، ك " الجبروت " " من التجبر "و " الخلبوت " من " الخلب " . ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير " فعلوت " بزيادة الواو والتاء . ثم نقلت لامه - أعني لام " الطغووت " فجعلت له عينا ، وحولت عينه فجعلت مكان لامه ، كما قيل : " جذب وجبذ " " وجاذب وجابذ " " وصاعقة وصاقعة " وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال .

فتأويل الكلام إذا : فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله ، فيكفر به " ويؤمن بالله " يقول : ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده " فقد استمسك بالعروة الوثقى " يقول : فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه كما : -

5846 - حدثني أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا ابن أبي مريم ، عن حميد بن عقبة ، عن أبي الدرداء : أنه عاد مريضا من جيرته ، فوجده في السوق وهو يغرغر ، لا يفقهون ما يريد . [ ص: 420 ]

فسألهم : يريد أن ينطق ؟ قالوا : نعم يريد أن يقول : " آمنت بالله وكفرت بالطاغوت " . قال أبو الدرداء : وما علمكم بذلك ؟ قالوا : لم يزل يرددها حتى انكسر لسانه ، فنحن نعلم أنه إنما يريد أن ينطق بها . فقال أبو الدرداء : أفلح صاحبكم ! إن الله يقول : " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية