1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى " الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 262 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : المعطي ماله المجاهدين في سبيل الله معونة لهم على جهاد أعداء الله . يقول - تعالى ذكره - : الذين يعينون المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم وفي حمولاتهم ، وغير ذلك من مؤنهم ، ثم لم يتبع نفقته التي أنفقها عليهم منا عليهم بإنفاق ذلك عليهم ، ولا أذى لهم . فامتنانه به عليهم بأن يظهر لهم أنه قد اصطنع إليهم - بفعله وعطائه الذي أعطاهموه تقوية لهم على جهاد عدوهم - معروفا ، ويبدي ذلك إما بلسان أو فعل . وأما " الأذى " فهو شكايته إياهم بسبب ما أعطاهم وقواهم من النفقة في سبيل الله ، أنهم لم يقوموا بالواجب عليهم في الجهاد ، وما أشبه ذلك من القول الذي يؤذي به من أنفق عليه .

وإنما شرط ذلك في المنفق في سبيل الله ، وأوجب الأجر لمن كان غير مان ولا مؤذ من أنفق عليه في سبيل الله ؛ لأن النفقة التي هي في سبيل الله : ما ابتغي به وجه الله وطلب به ما عنده . فإذا كان معنى النفقة في سبيل الله هو ما وصفنا فلا وجه لمن المنفق على من أنفق عليه ؛ لأنه لا يد له قبله ولا صنيعة يستحق بها [ ص: 518 ] عليه - إن لم يكافئه - عليها المن والأذى ، إذ كانت نفقته ما أنفق عليه احتسابا وابتغاء ثواب الله وطلب مرضاته ، وعلى الله مثوبته ، دون من أنفق ذلك عليه .

وبنحو المعنى الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6034 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ) ، علم الله أن أناسا يمنون بعطيتهم ، فكره ذلك وقدم فيه فقال : ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ) .

6035 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : قال للآخرين يعني : قال الله للآخرين ، وهم الذين لا يخرجون في جهاد عدوهم : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ) قال : فشرط عليهم . قال : والخارج لم يشرط عليه قليلا ولا كثيرا - يعني بالخارج : الخارج في الجهاد الذي ذكر الله في قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة ) الآية . قال ابن زيد : وكان أبي يقول : إن آذاك من يعطي من هذا شيئا أو يقوي في سبيل الله ، فظننت أنه يثقل عليه سلامك ، فكف سلامك عنه . قال ابن زيد : فنهى عن خير الإسلام . قال : وقالت امرأة لأبي : يا أبا أسامة تدلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا ، فإنهم لا يخرجون إلا [ ص: 519 ] ليأكلوا الفواكه ! ! عندي جعبة وأسهم فيها . فقال لها : لا بارك الله لك في جعبتك ، ولا في أسهمك ، فقد آذيتيهم قبل أن تعطيهم ! قال : وكان رجل يقول لهم : اخرجوا وكلوا الفواكه !

6036 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قوله : ( لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ) قال : أن لا ينفق الرجل ماله خير من أن ينفقه ثم يتبعه منا وأذى .

وأما قوله : ( لهم أجرهم عند ربهم ) ، فإنه يعني للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله على ما بين . " والهاء والميم " في " لهم " عائدة على " الذين " .

ومعنى قوله : ( لهم أجرهم عند ربهم ) ، لهم ثوابهم وجزاؤهم على نفقتهم التي أنفقوها في سبيل الله ، ثم لم يتبعوها منا ولا أذى .

وقوله : ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ، يقول : وهم مع ما لهم من الجزاء والثواب على نفقتهم التي أنفقوها على ما شرطنا ( لا خوف عليهم ) عند مقدمهم على الله وفراقهم الدنيا ، ولا في أهوال القيامة ، وأن ينالهم من مكارهها أو يصيبهم فيها من عقاب الله ( ولا هم يحزنون ) على ما خلفوا وراءهم في الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية