القول في 
تأويل قوله تعالى ذكره : ( أو كصيب من السماء  ) 
قال 
أبو جعفر :  والصيب الفيعل من قولك : صاب المطر يصوب صوبا ، إذا انحدر ونزل ، كما قال الشاعر : 
فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب 
وكما قال 
علقمة بن عبدة   : 
كأنهم صابت عليهم سحابة     صواعقها لطيرهن دبيب 
 [ ص: 334 ] فلا تعدلي بيني وبين مغمر ،     سقيت روايا المزن حين تصوب 
يعني : حين تنحدر . وهو في الأصل " صيوب " ولكن الواو لما سبقتها ياء ساكنة ، صيرتا جميعا ياء مشددة ، كما قيل : سيد ، من ساد يسود ، وجيد ، من جاد يجود . وكذلك تفعل العرب بالواو إذا كانت متحركة وقبلها ياء ساكنة ، تصيرهما جميعا ياء مشددة . 
وبما قلنا من القول في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
405 - حدثني 
محمد بن إسماعيل الأحمسي  ، قال : حدثنا 
محمد بن عبيد  ، قال : حدثنا 
هارون بن عنترة  ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  في قوله " 
أو كصيب من السماء  " قال : القطر . 
406 - حدثني 
عباس بن محمد  ، قال : حدثنا 
حجاج  ، قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال لي 
عطاء   : الصيب ، المطر . 
407 - حدثني 
المثنى  ، قال : حدثنا 
أبو صالح  ، قال : حدثني 
معاوية بن صالح  ، عن 
علي ،  عن 
ابن عباس  قال : الصيب ، المطر . 
408 - حدثني 
موسى  ، قال : حدثنا 
عمرو  ، قال : حدثنا 
أسباط  ، عن  
[ ص: 335 ]  nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  في خبر ذكره ، عن 
أبي مالك ،  وعن 
أبي صالح ،  عن 
ابن عباس  ، وعن 
مرة  ، عن 
ابن مسعود  ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : الصيب ، المطر . 
409 - حدثني 
محمد بن سعد  ، قال : حدثني 
أبي سعد  ، قال : حدثني 
عمي الحسين  ، عن أبيه ، عن جده ، عن 
ابن عباس ،  مثله . 
410 - وحدثنا 
بشر بن معاذ  ، قال : حدثنا 
يزيد  ، عن 
سعيد  ، عن 
قتادة   : " 
أو كصيب  " يقول : المطر  . 
411 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  ، قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  ، قال : أنبأنا 
معمر  ، عن 
قتادة ،  مثله . 
412 - حدثني 
محمد بن عمرو الباهلي ،   nindex.php?page=showalam&ids=14923وعمرو بن علي  ، قالا حدثنا 
أبو عاصم  ، قال : حدثنا 
عيسى بن ميمون  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : الصيب الربيع . 
413 - حدثني 
المثنى ،  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  ، قال : حدثنا 
شبل  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : الصيب ، المطر . 
414 - حدثني 
المثنى  ، قال : حدثنا 
إسحاق ،  عن 
ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن 
الربيع بن أنس   : الصيب ، المطر . 
415 - حدثت عن 
المنجاب  ، قال : حدثنا 
بشر بن عمارة ،  عن 
أبي روق ،  عن 
الضحاك  ، عن 
ابن عباس ،  قال : الصيب المطر . 
416 - حدثني 
يونس  ، قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : قال 
عبد الرحمن بن زيد   : " 
أو كصيب من السماء  " قال : أو كغيث من السماء . 
417 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16069سوار بن عبد الله العنبري  ، قال : قال 
سفيان   : الصيب ، الذي فيه المطر .  
[ ص: 336 ] 
418 - حدثنا 
عمرو بن علي  ، قال : حدثنا 
معاوية  ، قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
عطاء ،  في قوله : " 
أو كصيب من السماء  " قال : المطر . 
قال 
أبو جعفر :  وتأويل ذلك : 
مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام مع استسرارهم الكفر مثل إضاءة موقد نار بضوء ناره ، على ما وصف جل ثناؤه من صفته ، أو كمثل مطر مظلم ودقه تحدر من السماء ، تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة . وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه . 
فإن قال لنا قائل : أخبرنا عن هذين المثلين : أهما مثلان للمنافقين ، أو أحدهما ؟ فإن يكونا مثلين للمنافقين ، فكيف قيل : " أو كصيب " و " أو " تأتي بمعنى الشك في الكلام ، ولم يقل " وكصيب " بالواو التي تلحق المثل الثاني بالمثل الأول ؟ أو يكون مثل القوم أحدهما ، فما وجه ذكر الآخر ب " أو " ؟ وقد علمت أن " أو " إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشك من المخبر فيما أخبر عنه ، كقول القائل : " لقيني أخوك أو أبوك " وإنما لقيه أحدهما ، ولكنه جهل عين الذي لقيه منهما ، مع علمه أن أحدهما قد لقيه . وغير جائز فيه الله جل ثناؤه أن يضاف إليه الشك في شيء ، أو عزوب علم شيء عنه ، فيما أخبر أو ترك الخبر عنه . 
قيل له : إن الأمر في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه . و " أو " - وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشك - فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدل عليه الواو ، إما بسابق من الكلام قبلها ، وإما بما يأتي بعدها ، كقول 
توبة بن الحمير   : 
وقد زعمت ليلى بأني فاجر     لنفسي تقاها أو عليها فجورها 
 [ ص: 337 ] 
ومعلوم أن ذلك من توبة على غير وجه الشك فيما قال ، ولكن لما كانت " أو " في هذا الموضع دالة على مثل الذي كانت تدل عليه " الواو " لو كانت مكانها ، وضعها موضعها ، وكذلك قول 
جرير   : 
نال الخلافة أو كانت له قدرا ،     كما أتى ربه موسى على قدر 
وكما قال الآخر : 
فلو كان البكاء يرد شيئا     بكيت على بجير أو عفاق 
على المرأين إذ مضيا جميعا     لشأنهما ، بحزن واشتياق 
فقد دل بقوله " على المرأين إذ مضيا جميعا " أن بكاءه الذي أراد أن يبكيه لم يرد أن يقصد به أحدهما دون الآخر ، بل أراد أن يبكيهما جميعا . فكذلك ذلك في قول الله جل ثناؤه " أو كصيب من السماء " لما كان معلوما أن " أو " دالة في ذلك على مثل الذي كانت تدل عليه " الواو " لو كانت مكانها - كان سواء نطق فيه ب " أو " أو ب " الواو " وكذلك وجه حذف " المثل " من قوله " 
أو كصيب  " لما كان قوله :  
[ ص: 338 ]  " 
كمثل الذي استوقد نارا  " دالا على أن معناه : كمثل صيب ، حذف " المثل " واكتفى بدلالة ما مضى من الكلام في قوله : " 
كمثل الذي استوقد نارا  " على أن معناه : أو كمثل صيب ، من إعادة ذكر المثل ؛ طلب الإيجاز والاختصار .