القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( 
فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا  ( 19 ) ) 
قال 
أبو جعفر :  فأما الظلمات ، فجمع ، واحدها ظلمة . 
أما الرعد ، فإن أهل العلم اختلفوا فيه : 
فقال بعضهم : هو ملك يزجر السحاب . 
ذكر من قال ذلك : 
419 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى  ، قال : حدثنا 
محمد بن جعفر  ، قال : حدثنا 
شعبة ،  عن 
الحكم  ، عن 
مجاهد  ، قال : 
الرعد ، ملك يزجر السحاب بصوته  . 
420 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى  ، قال : حدثنا 
ابن أبي عدي  ، عن 
شعبة ،  عن 
الحكم ،  عن 
مجاهد ،  مثله . 
421 - حدثني 
يحيى بن طلحة اليربوعي  ، قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=14919فضيل بن عياض  ، عن 
ليث  ، عن 
مجاهد ،  مثله . 
422 - حدثني 
يعقوب بن إبراهيم  ، قال : حدثنا 
هشيم  قال : أنبأنا 
إسماعيل بن سالم ،  عن 
أبي صالح  ، قال : الرعد ، ملك من الملائكة يسبح .  
[ ص: 339 ] 
423 - حدثني 
نصر بن عبد الرحمن الأزدي  ، قال : حدثنا 
محمد بن يعلى  ، عن 
أبي الخطاب البصري  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ،  قال : الرعد ، ملك موكل بالسحاب يسوقه ، كما يسوق الحادي الإبل ، يسبح . كلما خالفت سحابة سحابة صاح بها ، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه ، فهي الصواعق التي رأيتم . 
424 - حدثت عن 
المنجاب بن الحارث  ، قال : حدثنا 
بشر بن عمارة ،  عن 
أبي روق ،  عن 
الضحاك  ، عن 
ابن عباس  ، قال : الرعد ، ملك من الملائكة اسمه الرعد ، وهو الذي تسمعون صوته . 
425 - حدثنا 
أحمد بن إسحاق الأهوازي  ، قال : حدثنا 
أبو أحمد  ، قال : حدثنا 
عبد الملك بن حسين ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،  عن 
أبي مالك ،  عن 
ابن عباس  ، قال : الرعد ، ملك يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير  . 
426 - وحدثنا 
الحسن بن محمد  ، قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد  ، عن 
ابن عباس  ، قال : الرعد اسم ملك ، وصوته هذا تسبيحه ، فإذا اشتد زجره السحاب ، اضطرب السحاب واحتك . فتخرج الصواعق من بينه . 
427 - حدثنا 
الحسن  ، قال : حدثنا 
عفان   . قال : حدثنا 
أبو عوانة  ، عن  
[ ص: 340 ] موسى البزار  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ،  عن 
ابن عباس  ، قال : الرعد ملك يسوق السحاب بالتسبيح ، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه . 
428 - حدثنا 
الحسن بن محمد  ، قال : حدثنا 
يحيى بن عباد ،  وشبابة ،  قالا حدثنا 
شعبة  ، عن 
الحكم  ، عن 
مجاهد  ، قال : الرعد ملك يزجر السحاب . 
429 - حدثنا 
أحمد بن إسحاق  ، قال : حدثنا 
أبو أحمد الزبيري  ، قال : حدثنا 
عتاب بن زياد  ، عن 
عكرمة  ، قال : الرعد ملك في السحاب ، يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل . 
430 - وحدثنا 
بشر  ، قال : حدثنا 
سعيد  ، عن 
قتادة  ، قال : الرعد خلق من خلق الله جل وعز ، سامع مطيع لله جل وعز . 
431 - حدثنا 
القاسم بن الحسن ،  قال : حدثنا 
الحسين بن داود ،  قال : حدثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
عكرمة  ، قال : إن الرعد ملك يؤمر بإزجاء السحاب فيؤلف بينه ، فذلك الصوت تسبيحه . 
432 - وحدثنا 
القاسم  ، قال : حدثنا 
الحسين  ، قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد  ، قال : الرعد ملك . 
433 - وحدثني 
المثنى  ، قال : حدثنا 
الحجاج بن المنهال  ، قال : حدثنا 
حماد بن سلمة  ، عن 
المغيرة بن سالم  ، عن أبيه ، أو غيره ، أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  قال : الرعد ملك . 
434 - حدثنا 
المثنى  ، قال : حدثنا 
حجاج  ، قال : حدثنا 
حماد  ، قال : أخبرنا 
موسى بن سالم أبو جهضم ، مولى ابن عباس ،  قال : كتب 
ابن عباس  إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد ملك  .  
[ ص: 341 ] 
435 - حدثنا 
المثنى  ، قال : حدثنا 
مسلم بن إبراهيم  ، قال : حدثنا 
عمر بن الوليد الشني  ، عن 
عكرمة  ، قال : الرعد ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل . 
436 - حدثني 
سعد بن عبد الله بن عبد الحكم  ، قال : حدثنا 
حفص بن عمر  ، قال : حدثنا 
الحكم بن أبان  ، عن 
عكرمة  ، قال : كان 
ابن عباس  إذا سمع الرعد ، قال : سبحان الذي سبحت له ، قال : وكان يقول : إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه . 
وقال آخرون : إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فتصاعد ، فيكون منه ذلك الصوت . 
ذكر من قال ذلك : 
437 - حدثنا 
أحمد بن إسحاق  ، قال : حدثنا 
أبو أحمد الزبيري  ، قال : حدثنا 
بشر بن إسماعيل  ، عن 
أبي كثير  ، قال : كنت عند أبي الجلد ، إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه ، فكتب إليه : " كتبت تسألني عن الرعد ، فالرعد الريح . 
438 - حدثني 
إبراهيم بن عبد الله ،  قال : حدثنا 
عمران بن ميسرة  ، قال : حدثنا 
ابن إدريس ،  عن 
الحسن بن الفرات  ، عن أبيه قال : كتب 
ابن عباس   [ ص: 342 ] إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد ريح . 
قال 
أبو جعفر :  فإن كان الرعد ما ذكره 
ابن عباس  ومجاهد  ، فمعنى الآية : أو كصيب من السماء فيه ظلمات وصوت رعد . لأن الرعد إن كان ملكا يسوق السحاب ، فغير كائن في الصيب ، لأن الصيب إنما هو ما تحدر من صوب السحاب ، والرعد إنما هو في جو السماء يسوق السحاب . على أنه لو كان فيه ثم لم يكن له صوت مسموع ، فلم يكن هنالك رعب يرعب به أحد ، لأنه قد قيل : إن مع كل قطرة من قطر المطر ملكا ، فلا يعدو الملك الذي اسمه " الرعد " لو كان مع الصيب ، إذا لم يكن مسموعا صوته ، أن يكون كبعض تلك الملائكة التي تنزل مع القطر إلى الأرض ، في أن لا رعب على أحد بكونه فيه . فقد علم - إذ كان الأمر على ما وصفنا من قول 
ابن عباس   - أن معنى الآية : أو كمثل غيث تحدر من السماء فيه ظلمات وصوت رعد ، إن كان الرعد هو ما قاله 
ابن عباس  ، وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام من ذكر صوته . وإن كان الرعد ما قاله 
أبو الجلد  فلا شيء في قوله : " 
فيه ظلمات ورعد  " متروك . لأن معنى الكلام حينئذ : فيه ظلمات ورعد الذي هو ما وصفنا صفته . 
وأما 
البرق ، فإن أهل العلم اختلفوا فيه : فقال بعضهم بما : 
439 - حدثنا 
مطر بن محمد الضبي  ، قال : حدثنا 
أبو عاصم ،   - ح - وحدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ،  قال : حدثني 
عبد الرحمن بن مهدي ،   - ح - وحدثنا 
أحمد بن إسحاق الأهوازي  ، قال : حدثنا 
أبو أحمد الزبيري  ، قالوا جميعا : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري  ، عن 
سلمة بن كهيل  ، عن 
سعيد بن أشوع  ، عن 
ربيعة  [ ص: 343 ] بن الأبيض  ، عن 
علي ،  قال : البرق مخاريق الملائكة . 
440 - حدثنا 
أحمد بن إسحاق  ، قال : حدثنا 
أبو أحمد الزبيري ،  قال : حدثنا 
عبد الملك بن الحسين  ، عن 
أبي مالك ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،  عن 
ابن عباس   : البرق مخاريق بأيدي الملائكة ، يزجرون بها السحاب . 
441 - وحدثني 
المثنى  ، قال : حدثنا 
الحجاج  ، قال : حدثنا 
حماد  ، عن 
المغيرة بن سالم  ، عن أبيه ، أو غيره ، أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  قال : الرعد الملك ، والبرق ضربه السحاب بمخراق من حديد . 
وقال آخرون : هو سوط من نور يزجي به الملك السحاب . 
ذكر من قال ذلك : 
442 - حدثت عن 
المنجاب بن الحارث  ، قال : حدثنا 
بشر بن عمارة ،  عن 
أبي روق ،  عن 
الضحاك  ، عن 
ابن عباس ،  بذلك . 
وقال آخرون : هو ماء . 
ذكر من قال ذلك : 
443 - حدثنا 
أحمد بن إسحاق الأهوازي  ، قال : حدثنا 
أبو أحمد الزبيري  ، قال : حدثنا 
بشر بن إسماعيل  ، عن 
أبي كثير  ، قال : كنت عند أبي الجلد ، إذ جاء رسول ابن عباس بكتاب إليه ، فكتب إليه : " كتبت إلي تسألني عن البرق ، فالبرق الماء " 
444 - حدثنا 
إبراهيم بن عبد الله  ، قال : حدثنا 
عمران بن ميسرة  ، قال : حدثنا 
ابن إدريس  ، عن 
الحسن بن الفرات  ، عن أبيه ، قال : كتب 
ابن عباس  إلى أبي الجلد يسأله عن البرق ، فقال : البرق ماء .  
[ ص: 344 ] 
445 - حدثنا 
ابن حميد ،  قال : حدثنا 
جرير  ، عن 
عطاء  ، عن رجل ، من 
أهل البصرة  من قرائهم ، قال : كتب 
ابن عباس  إلى أبي الجلد - رجل من أهل هجر - يسأله عن البرق ، فكتب إليه : " كتبت إلي تسألني عن البرق ، وإنه من الماء " 
وقال آخرون : هو مصع ملك . 
446 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار  ، قال : حدثنا 
عبد الرحمن بن مهدي  ، قال : حدثنا 
سفيان ،  عن 
عثمان بن الأسود  ، عن 
مجاهد  ، قال : البرق ، مصع ملك . 
447 - حدثني 
المثنى ،  قال : حدثنا 
إسحاق  ، قال : حدثنا 
هشام  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17023محمد بن مسلم الطائفي  ، قال : بلغني أن البرق ملك له أربعة أوجه ، وجه إنسان ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، فإذا مصع بأجنحته فذلك البرق . 
448 - حدثنا 
القاسم  ، قال : حدثنا 
الحسين  ، قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
وهب بن سليمان  ، عن 
شعيب الجبائي  قال : في كتاب الله : الملائكة حملة العرش ، لكل ملك منهم وجه إنسان وثور وأسد ، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البرق  
[ ص: 345 ]  . وقال 
أمية بن أبي الصلت   : 
رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى ، وليث مرصد 
449 - حدثنا 
الحسين بن محمد  ، قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد  ، عن 
ابن عباس   : البرق ملك . 
450 - وقد حدثنا 
القاسم  ، قال : حدثنا 
الحسين  ، قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  قال : الصواعق ملك يضرب السحاب بالمخاريق ، يصيب منه من يشاء . 
قال 
أبو جعفر :  وقد يحتمل أن يكون ما قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ومجاهد  بمعنى واحد . وذلك أن تكون المخاريق التي ذكر 
علي  رضي الله عنه أنها هي البرق ، هي السياط التي هي من نور ، التي يزجي بها الملك السحاب ، كما قال 
ابن عباس   . ويكون إزجاء الملك بها السحاب مصعه إياه . وذلك أن المصاع عند العرب أصله : المجالدة بالسيوف ، ثم تستعمله في كل شيء جولد به في حرب وغير حرب ، كما قال 
أعشى بني ثعلبة ،  وهو يصف جواري يلعبن بحليهن ويجالدن به .  
[ ص: 346 ]     إذا هن نازلن أقرانهن 
وكان المصاع بما في الجون 
يقال منه : ماصعه مصاعا . وكأن مجاهدا إنما قال : " مصع ملك " إذ كان السحاب لا يماصع الملك ، وإنما الرعد هو المماصع له ، فجعله مصدرا من مصعه يمصعه مصعا . 
وقد ذكرنا ما في معنى " الصاعقة " ما قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب  فيما مضى . 
وأما تأويل الآية ، فإن أهل التأويل مختلفون فيه : 
فروي عن 
ابن عباس  في ذلك أقوال : أحدها ما 
451 - حدثنا به 
محمد بن حميد ،  قال : حدثنا 
سلمة  ، قال : حدثنا 
محمد بن إسحاق ،  عن 
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ،  عن 
عكرمة  ، أو عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس   : " 
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت  " : أي هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل - على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم - على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب ، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت ، يكاد البرق يخطف أبصارهم - أي لشدة ضوء الحق - كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ، أي يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة ، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين . 
والآخر ما  
[ ص: 347 ] 
452 - حدثني به 
موسى بن هارون ،  قال : حدثنا 
عمرو  ، قال : حدثنا 
أسباط  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  في خبر ذكره ، عن 
أبي مالك ،  وعن 
أبي صالح ،  عن 
ابن عباس  ، وعن 
مرة  ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " 
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق  " إلى " 
إن الله على كل شيء قدير  " أما الصيب فالمطر . كان رجلان من المنافقين من 
أهل المدينة   هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله ، فيه رعد شديد وصواعق وبرق ، فجعلا كلما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا وقاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا فنأتي 
محمدا  فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده ، وحسن إسلامهما ، فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين 
بالمدينة  ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا ، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما ، وإذا أضاء لهم مشوا فيه ، فإذا كثرت أموالهم ، وولد لهم الغلمان ، وأصابوا غنيمة أو فتحا ، مشوا فيه ، وقالوا : إن دين 
محمد  صلى الله عليه وسلم دين صدق . فاستقاموا عليه ، كما كان ذانك المنافقان يمشيان ، إذا أضاء لهم البرق مشوا فيه ، وإذا أظلم عليهم قاموا . فكانوا  
[ ص: 348 ] إذا هلكت أموالهم ، وولد لهم الجواري ، وأصابهم البلاء ، قالوا : هذا من أجل دين محمد ، فارتدوا كفارا ، كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما . 
والثالث ما 
453 - حدثني به 
محمد بن سعد ،  قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن 
ابن عباس   : " 
أو كصيب من السماء  " كمطر ، " 
فيه ظلمات ورعد وبرق  " إلى آخر الآية ، هو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله وعمل مراءاة للناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره ، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك . وأما الظلمات فالضلالة ، وأما البرق فالإيمان ، وهم أهل الكتاب .  
[ ص: 349 ] 
وإذا أظلم عليهم ، فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه . 
والرابع ما 
454 - حدثني به 
المثنى  ، قال : حدثنا 
عبد الله بن صالح  ، قال : حدثني 
معاوية بن صالح  ، عن 
علي بن أبي طلحة  ، عن 
ابن عباس   : " 
أو كصيب من السماء  " وهو المطر ، ضرب مثله في القرآن يقول : " 
فيه ظلمات  " يقول : ابتلاء ، " ورعد " يقول فيه تخويف " وبرق 
يكاد البرق يخطف أبصارهم  " يقول : يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين ، " 
كلما أضاء لهم مشوا فيه  " يقول : كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا ، وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر يقول : " 
وإذا أظلم عليهم قاموا  " كقوله : ( 
ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين  )  [ سورة الحج : 11 ] . 
ثم اختلف سائر أهل التأويل بعد في ذلك ، نظير ما روي عن 
ابن عباس  من الاختلاف : 
455 - فحدثني 
محمد بن عمرو الباهلي ،  قال : حدثنا 
أبو عاصم  ، عن 
عيسى بن ميمون  ، عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد  ، قال : إضاءة البرق وإظلامه ، على نحو ذلك المثل . 
456 - حدثني 
المثنى  ، قال : حدثنا 
أبو حذيفة  ، قال : حدثنا 
شبل ،  عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد ،  مثله .  
[ ص: 350 ] 
457 - حدثنا 
عمرو بن علي  ، قال : حدثنا 
أبو عاصم  ، قال : حدثنا 
عيسى  ، عن 
ابن أبي نجيح ،  عن 
مجاهد ،  مثله . 
458 - وحدثنا 
بشر بن معاذ  ، قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع  ، عن 
سعيد  ، عن 
قتادة ،  في قول الله : " 
فيه ظلمات ورعد وبرق  " إلى قوله " 
وإذا أظلم عليهم قاموا  " فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاء أو طمأنينة أو سلوة من عيش ، قال : أنا معكم وأنا منكم ، وإذا أصابته شديدة حقحق والله عندها ، فانقطع به ، فلم يصبر على بلائها ، ولم يحتسب أجرها ، ولم يرج عاقبتها . 
459 - وحدثنا 
الحسن بن يحيى  ، قال : أخبرنا 
عبد الرزاق  ، قال : أخبرنا 
معمر  ، عن 
قتادة   : " فيه 
ظلمات ورعد وبرق  " يقول : أجبن قوم لا يسمعون شيئا إلا إذا ظنوا أنهم هالكون فيه حذرا من الموت 
والله محيط بالكافرين ثم ضرب لهم مثلا آخر فقال : " 
يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه  " يقول : هذا المنافق ، إذا كثر ماله ، وكثرت ماشيته ، وأصابته عافية قال : لم يصبني منذ دخلت في ديني هذا إلا خير " 
وإذا أظلم عليهم قاموا  " يقول : إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء ، قاموا متحيرين . 
460 - حدثني 
المثنى  ، قال : حدثنا 
إسحاق بن الحجاج  ، عن 
عبد الله بن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن 
الربيع بن أنس   : " 
فيه ظلمات ورعد وبرق  " قال : مثلهم  
[ ص: 351 ] كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة ، ولها مطر ورعد وبرق على جادة ، فلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها ، وإذا ذهب البرق تحيروا . وكذلك 
المنافق ، كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له ، فإذا شك تحير ووقع في الظلمة ، فكذلك قوله : " 
كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا  " ثم قال : في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس ، " 
ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم  " 
قال 
أبو جعفر :  
461 - حدثنا 
القاسم  ، قال : حدثنا 
الحسين  ، قال : حدثنا 
أبو تميلة  ، عن 
عبيد بن سليمان الباهلي  ، عن 
الضحاك بن مزاحم ،   " 
فيه ظلمات  " قال : أما الظلمات فالضلالة ، والبرق الإيمان . 
462 - حدثني 
يونس  ، قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : حدثني 
عبد الرحمن بن زيد  في قوله : " 
فيه ظلمات ورعد وبرق  " فقرأ حتى بلغ : " 
إن الله على كل شيء قدير  " قال : هذا أيضا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا قد استناروا بالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق . 
463 - حدثنا 
القاسم  ، قال : حدثنا 
الحسين  ، قال : حدثني 
حجاج  ، قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : ليس في الأرض شيء سمعه المنافق إلا ظن أنه يراد به ، وأنه الموت ، كراهية له 
، والمنافق أكره خلق الله للموت  - كما إذا كانوا بالبراز في المطر ، فروا من الصواعق . 
464 - حدثنا 
عمرو بن علي  ، قال : حدثنا 
أبو معاوية  ، قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
عطاء  في قوله : " 
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق  " قال : مثل ضرب للكافر .  
[ ص: 352 ] 
وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه ، فإنها - وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها - متقاربات المعاني ، لأنها جميعا تنبئ عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيمان المنافق مثلا ومثل ما فيه من ظلمات لضلالته ، وما فيه من ضياء برق لنور إيمانه ، واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه ، لضعف جنانه ونخب فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته ، ومشيه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه ، وقيامه في الظلام ، لحيرته في ضلالته وارتكاسه في عمهه . 
فتأويل الآية إذا - إذ كان الأمر على ما وصفنا - أو مثل ما استضاء به المنافقون من قيلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم : آمنا بالله وباليوم الآخر 
وبمحمد  وما جاء به ، حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكام المؤمنين ، وهم - مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون - بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر ، مكذبون ، ولخلاف ما يظهرون بالألسن في قلوبهم معتقدون ، على عمى منهم ، وجهالة بما هم عليه من الضلالة لا يدرون أي الأمرين اللذين قد شرعا لهم [ فيه ] الهداية ، أفي الكفر الذي كانوا عليه قبل إرسال الله محمدا صلى الله عليه وسلم بما أرسله به إليهم ، أم في الذي أتاهم به 
محمد  صلى الله عليه وسلم من عند ربهم ؟ فهم من وعيد الله إياهم على لسان 
محمد  صلى الله عليه وسلم وجلون ، وهم مع وجلهم من ذلك في حقيقته شاكون ، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا . كمثل غيث سرى ليلا في مزنة ظلماء  
[ ص: 353 ] وليلة مظلمة يحدوها رعد ، ويستطير في حافاتها برق شديد لمعانه ، كثير خطرانه ، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه ، وينهبط منها تارات صواعق ، تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق . 
فالصيب مثل لظاهر ما أظهر 
المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق ، والظلمات التي هي فيه لظلمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب . وأما الرعد والصواعق ، فلما هم عليه من الوجل من وعيد الله إياهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في آي كتابه ، إما في العاجل وإما في الآجل ، أن يحل بهم ، مع شكهم في ذلك : هل هو كائن أم غير كائن ؟ وهل له حقيقة أم ذلك كذب وباطل ؟ مثل . فهم من وجلهم ، أن يكون ذلك حقا ، يتقونه بالإقرار بما جاء به 
محمد  صلى الله عليه وسلم بألسنتهم ، مخافة على أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات ، وذلك تأويل قوله جل ثناؤه " 
يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت  " يعني بذلك : يتقون وعيد الله الذي أنزله في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، بما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار ، كما يتقي الخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها ، حذرا على نفسه منها . 
وقد ذكرنا الخبر الذي روي عن 
ابن مسعود   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  أنهما كانا يقولان : إن 
المنافقين كانوا إذا حضروا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلوا أصابعهم  [ ص: 354 ] في آذانهم فرقا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء فيقتلوا . فإن كان ذلك صحيحا - ولست أعلمه صحيحا إذ كنت بإسناده مرتابا - فإن القول الذي روي عنهما هو القول ، وإن يكن غير صحيح ، فأولى بتأويل الآية ما قلنا ، لأن الله إنما قص علينا من خبرهم في أول مبتدأ قصتهم ، أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر ، مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم في حقيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون ، مما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربهم . وبذلك وصفهم في جميع آي القرآن التي ذكر فيها صفتهم . فكذلك ذلك في هذه الآية . 
وإنما جعل الله إدخالهم أصابعهم في آذانهم مثلا لاتقائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما ذكرنا أنهم يتقونهم به ، كما يتقي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه في أذنيه ، وذلك من المثل نظير تمثيل الله جل ثناؤه ما أنزل فيهم من الوعيد في آي كتابه بأصوات الصواعق . وكذلك قوله " 
حذر الموت  " جعله جل ثناؤه مثلا لخوفهم وإشفاقهم من حلول عاجل العقاب المهلكهم الذي توعدوه بساحتهم كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه في أذنيه ، حذر العطب والموت على نفسه ، أن تزهق من شدتها . 
وإنما نصب قوله " 
حذر الموت  " على نحو ما تنصب به التكرمة في قولك : " زرتك تكرمة لك " تريد بذلك : من أجل تكرمتك ، وكما قال جل ثناؤه ، ( 
ويدعوننا رغبا ورهبا  ) [ سورة الأنبياء : 90 ] على التفسير للفعل . 
وقد روي عن 
قتادة  أنه كان يتأول قوله : " 
حذر الموت  " حذرا من الموت .  
[ ص: 355 ] 
465 - حدثنا بذلك 
الحسن بن يحيى  ، قال : حدثنا 
عبد الرزاق  ، قال : أنبأنا 
معمر ،  عنه . 
وذلك مذهب من التأويل ضعيف ، لأن القوم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حذرا من الموت ، فيكون معناه ما قال إنه يراد به ، حذرا من الموت ، وإنما جعلوها من حذار الموت في آذانهم . 
وكان قتادة وابن جريج يتأولان قوله : " 
يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت  " أن ذلك من الله جل ثناؤه صفة للمنافقين بالهلع وضعف القلوب وكراهة الموت ، ويتأولان في ذلك قوله : ( 
يحسبون كل صيحة عليهم  ) [ سورة المنافقون ] . 
وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالا . وذلك أنه قد كان فيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته ، كقزمان ، الذي لم يقم مقامه أحد من المؤمنين بأحد ، أو دونه . وإنما كانت كراهتهم شهود المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتركهم معاونته على أعدائه ، لأنهم لم يكونوا في أديانهم مستبصرين ، ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين ، فكانوا للحضور معه مشاهده كارهين ، إلا بالتخذيل عنه . ولكن ذلك وصف من الله جل ثناؤه لهم بالإشفاق من حلول عقوبة الله بهم على نفاقهم ، إما عاجلا وإما آجلا . ثم أخبر جل ثناؤه أن  
[ ص: 356 ] المنافقين - الذين نعتهم الله النعت الذي ذكر - وضرب لهم الأمثال التي وصف ، وإن اتقوا عقابه ، وأشفقوا عذابه إشفاق الجاعل في أذنيه أصابعه حذار حلول الوعيد الذي توعدهم به في آي كتابه - غير منجيهم ذلك من نزوله بعقوتهم ، وحلوله بساحتهم ، إما عاجلا في الدنيا ، وإما آجلا في الآخرة ، للذي في قلوبهم من مرضها ، والشك في اعتقادها ، فقال : " 
والله محيط بالكافرين  " بمعنى جامعهم ، فمحل بهم عقوبته . 
وكان مجاهد يتأول ذلك كما : 
466 - حدثني 
محمد بن عمرو الباهلي ،  قال : حدثنا 
أبو عاصم   . عن 
عيسى بن ميمون  ، عن 
عبد الله بن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد ،  في قول الله : 
 " والله محيط بالكافرين  " قال : جامعهم في جهنم . 
وأما 
ابن عباس  فروي عنه في ذلك ما : 
467 - حدثني به 
ابن حميد ،  قال : حدثنا 
سلمة  ، عن 
ابن إسحاق  ، عن 
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ،  عن 
عكرمة  ، أو عن 
سعيد بن جبير ،  عن 
ابن عباس   : " 
والله محيط بالكافرين  " يقول : الله منزل ذلك بهم من النقمة . 
468 - حدثنا 
القاسم  ، قال : حدثنا 
الحسين  ، قال : حدثنا 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد ،  في قوله : " 
والله محيط بالكافرين  " قال : جامعهم . 
ثم عاد جل ذكره إلى نعت إقرار المنافقين بألسنتهم ، والخبر عنه وعنهم وعن نفاقهم ، وإتمام المثل الذي ابتدأ ضربه لهم ولشكهم ومرض قلوبهم ، فقال : " 
يكاد البرق  " يعني بالبرق ، الإقرار الذي أظهروه بألسنتهم بالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم . فجعل البرق له مثلا على ما قدمنا صفته .  
[ ص: 357 ] 
" 
يخطف أبصارهم  " يعني : يذهب بها ويستلبها ويلتمعها من شدة ضيائه ونور شعاعه . 
469 - كما حدثت عن 
المنجاب بن الحارث  ، قال : حدثنا 
بشر بن عمارة ،  عن 
أبي روق ،  عن 
الضحاك  ، عن 
ابن عباس  ، في قوله : " 
يكاد البرق يخطف أبصارهم  " قال : يلتمع أبصارهم ولما يفعل . 
قال 
أبو جعفر :  والخطف السلب ، ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501543نهى عن الخطفة ، يعني بها النهبة . ومنه قيل للخطاف الذي يخرج به الدلو من البئر خطاف ، لاختطافه واستلابه ما علق به ، ومنه قول نابغة بني ذبيان : 
خطاطيف حجن في حبال متينة     تمد بها أيد إليك نوازع 
 [ ص: 358 ] 
فجعل ضوء البرق وشدة شعاع نوره ، كضوء إقرارهم بألسنتهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله واليوم الآخر وشعاع نوره ، مثلا . 
ثم قال تعالى ذكره : " 
كلما أضاء لهم  " يعني أن البرق كلما أضاء لهم ، وجعل البرق لإيمانهم مثلا . وإنما أراد بذلك : أنهم كلما أضاء لهم الإيمان ، وإضاءته لهم أن يروا فيه ما يعجبهم في عاجل دنياهم ، من النصرة على الأعداء ، وإصابة الغنائم في المغازي ، وكثرة الفتوح ، ومنافعها ، والثراء في الأموال ، والسلامة في الأبدان والأهل والأولاد - فذلك إضاءته لهم ، لأنهم إنما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الإقرار ، ابتغاء ذلك ، ومدافعة عن أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم ، وهم كما وصفهم الله جل ثناؤه بقوله : ( 
ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه  ) [ سورة الحج : 11 ] . 
ويعني بقوله " 
مشوا فيه  " مشوا في ضوء البرق . وإنما ذلك مثل لإقرارهم على ما وصفنا . فمعناه : كلما رأوا في الإيمان ما يعجبهم في عاجل دنياهم على ما وصفنا ، ثبتوا عليه وأقاموا فيه ، كما يمشي السائر في ظلمة الليل وظلمة الصيب الذي وصفه جل ثناؤه ، إذا برقت فيها بارقة أبصر طريقه فيها . 
" 
وإذا أظلم  " يعني : ذهب ضوء البرق عنهم . 
ويعني بقوله " عليهم " على السائرين في الصيب الذي وصف جل ذكره . وذلك للمنافقين مثل . ومعنى إظلام ذلك أن المنافقين كلما لم يروا في الإسلام ما يعجبهم في دنياهم - عند ابتلاء الله مؤمني عباده بالضراء ، وتمحيصه إياهم بالشدائد والبلاء ، من إخفاقهم في مغزاهم ، وإنالة عدوهم منهم ، أو إدبار من  
[ ص: 359 ] دنياهم عنهم أقاموا على نفاقهم ، وثبتوا على ضلالتهم ، كما قام السائر في الصيب الذي وصف جل ذكره إذا أظلم وخفت ضوء البرق ، فحار في طريقه ، فلم يعرف منهجه .