القول في 
تأويل قوله : ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم  )  
[ ص: 360 ] قال 
أبو جعفر :  وإنما خص جل ذكره السمع والأبصار - بأنه لو شاء أذهبها من المنافقين دون سائر أعضاء أجسامهم - للذي جرى من ذكرها في الآيتين ، أعني قوله : " 
يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق  " وقوله : " يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه " فجرى ذكرها في الآيتين على وجه المثل ، ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم ، وعيدا من الله لهم ، كما توعدهم في الآية التي قبلها بقوله : " 
والله محيط بالكافرين  " واصفا بذلك جل ذكره نفسه أنه المقتدر عليهم وعلى جمعهم ، لإحلال سخطه بهم ، وإنزال نقمته عليهم ، ومحذرهم بذلك سطوته ، ومخوفهم به عقوبته ، ليتقوا بأسه ، ويسارعوا إليه بالتوبة . 
470 - كما حدثنا 
ابن حميد ،  قال : حدثنا 
سلمة ،  عن 
ابن إسحاق  ، عن 
محمد بن أبي محمد  ، عن 
عكرمة  ، أو عن 
سعيد بن جبير  ، عن 
ابن عباس   : " 
ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم  " لما تركوا من الحق بعد معرفته . 
471 - وحدثني 
المثنى  ، قال : حدثنا 
إسحاق  ، قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن 
الربيع بن أنس  ، قال : ثم قال - يعني قال الله - في أسماعهم - يعني أسماع المنافقين - وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس : " 
ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم  " 
قال 
أبو جعفر :  وإنما معنى قوله : " 
لذهب بسمعهم وأبصارهم  " لأذهب سمعهم وأبصارهم ، ولكن العرب إذا أدخلوا الباء في مثل ذلك قالوا : ذهبت ببصره ، وإذا حذفوا الباء قالوا : أذهبت بصره ، كما قال جل ثناؤه : ( 
آتنا غداءنا  ) [ سورة الكهف : 62 ] ، ولو أدخلت الباء في الغداء لقيل : ائتنا بغدائنا . 
قال 
أبو جعفر :  فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : " 
لذهب بسمعهم  " فوحد ، وقال : " وأبصارهم " فجمع ؟ وقد علمت أن الخبر في السمع خبر عن سمع جماعة ، كما الخبر عن الأبصار خبر عن أبصار جماعة ؟ 
قيل : قد اختلف أهل العربية في ذلك ، فقال بعض نحويي 
الكوفة   : وحد السمع لأنه عنى به المصدر وقصد به الخرق ، وجمع الأبصار لأنه عنى به الأعين . وكان بعض نحويي 
البصرة  يزعم : أن السمع وإن كان في لفظ واحد ، فإنه بمعنى جماعة . ويحتج في ذلك بقول الله : ( 
لا يرتد إليهم طرفهم  ) [ سورة إبراهيم : 43 ] ، يريد : لا ترتد إليهم أطرافهم ، وبقوله : ( 
ويولون الدبر  ) [ سورة القمر : 45 ] ،  
[ ص: 361 ] يراد به أدبارهم . وإنما جاز ذلك عندي ، لأن في الكلام ما يدل على أنه مراد به الجمع ، فكان في دلالته على المراد منه ، وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة ، مغنيا عن جماعه . ولو فعل بالبصر نظير الذي فعل بالسمع ، أو فعل بالسمع نظير الذي فعل بالأبصار - من الجمع والتوحيد - كان فصيحا صحيحا ، لما ذكرنا من العلة ، كما قال الشاعر : 
كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زماننا زمن خميص 
فوحد البطن ، والمراد منه البطون ، لما وصفنا من العلة .