[ ص: 101 ] القول في 
تأويل قوله تعالى ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " لله ما في السماوات وما في الأرض " لله ملك كل ما في السماوات وما في الأرض من صغير وكبير ، وإليه تدبير جميعه ، وبيده صرفه وتقليبه ، لا يخفى عليه منه شيء ، لأنه مدبره ومالكه ومصرفه . 
وإنما عنى بذلك - جل ثناؤه - 
كتمان الشهود الشهادة ، يقول : لا تكتموا الشهادة أيها الشهود ، ومن يكتمها يفجر قلبه ، ولن يخفى علي كتمانه ذلك ، لأني بكل شيء عليم ، وبيدي صرف كل شيء في السماوات والأرض وملكه ، أعلم خفي ذلك وجليه ، فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادة وعيدا من الله بذلك من كتمها ، وتخويفا منه له به . ثم أخبرهم عما هو فاعل بهم في آخرتهم وبمن كان من نظرائهم ممن انطوى كشحا على معصية فأضمرها ، أو أظهر موبقة فأبداها من نفسه - من المحاسبة عليها فقال : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " يقول : وإن تظهروا فيما عندكم من الشهادة على حق رب المال الجحود والإنكار ، أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم ، وغير ذلك من سيئ أعمالكم " 
يحاسبكم به الله  " يعني  
[ ص: 102 ] بذلك : يحتسب به عليكم من أعمالكم ، فمجاز من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله ، وغافر لمن شاء منكم من المسيئين . 
ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " . 
فقال بعضهم بما قلنا : من أنه عنى به الشهود في كتمانهم الشهادة ، وأنه لاحق بهم كل من كان من نظرائهم ممن أضمر معصية أو أبداها . 
ذكر من قال ذلك : 
6449 - حدثني 
أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة  قال : حدثنا 
ابن فضيل  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد  عن 
مجاهد  عن 
ابن عباس  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " يقول : يعني في الشهادة . 
6450 - حدثنا 
ابن بشار  قال : حدثنا 
أبو أحمد  قال : حدثنا 
سفيان  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد  عن 
مقسم ،  عن 
ابن عباس  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " قال : في الشهادة . 
6451 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى  قال : حدثنا 
عبد الأعلى  قال : سئل 
داود  عن قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " فحدثنا عن  
[ ص: 103 ] عكرمة  قال : هي الشهادة إذا كتمتها . 
6452 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى  قال : حدثنا 
محمد بن جعفر  قال : حدثنا 
شعبة  عن 
عمرو  وأبي سعيد   : أنه سمع 
عكرمة  يقول في هذه الآية : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " قال : في الشهادة . 
6453 - حدثنا 
ابن بشار  قال : حدثنا 
أبو أحمد  قال : حدثنا 
سفيان  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  عن 
الشعبي  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " قال : في الشهادة . 
6454 - حدثنا 
يعقوب  قال : حدثنا 
هشيم  قال أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد  عن 
مقسم  عن 
ابن عباس  أنه قال في هذه الآية " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " قال : نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها . 
6455 - حدثني 
يحيى بن أبي طالب  قال أخبرنا 
يزيد  قال أخبرنا 
جويبر  عن 
عكرمة  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " يعني كتمان الشهادة وإقامتها على وجهها . 
وقال آخرون : " بل نزلت هذه الآية إعلاما من الله تبارك وتعالى عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وحدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه " . 
ثم اختلف متأولو ذلك كذلك . 
فقال بعضهم : " ثم نسخ الله ذلك بقوله : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) [ سورة البقرة : 286 ] " 
ذكر من قال ذلك : 
6456 - حدثنا 
أبو كريب  قال : حدثنا 
إسحاق بن سليمان  عن 
مصعب بن  [ ص: 104 ] ثابت  عن 
العلاء بن عبد الرحمن  عن أبيه ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  قال : 
لما نزلت : " لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " اشتد ذلك على القوم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ! هلكنا ! فأنزل الله - عز وجل - : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  ) الآية إلى قوله : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا  ) ، قال أبي : قال  nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة   : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله : نعم ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا  ) إلى آخر الآية قال أبي : قال  nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة   : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله - عز وجل - : نعم . 
6457 - حدثنا 
أبو كريب  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع  وحدثنا 
سفيان بن وكيع   [ ص: 105 ] قال : حدثنا أبي قال : حدثنا 
سفيان  عن 
آدم بن سليمان مولى خالد بن خالد  قال : سمعت 
سعيد بن جبير  يحدث عن 
ابن عباس  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811340لما نزلت هذه الآية : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء  " دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سمعنا وأطعنا وسلمنا . قال : فألقى الله - عز وجل - الإيمان في قلوبهم ، قال : فأنزل الله - عز وجل - : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه  ) قال أبو كريب   : فقرأ : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا  ) قال فقال : قد فعلت ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا  ) قال : قد فعلت ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به  ) قال : قال : قد فعلت ( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين  ) قال : قد فعلت  .  
[ ص: 106 ] 
6458 - حدثني 
أبو الرداد المصري عبد الله بن عبد السلام  قال : حدثنا 
أبو زرعة وهب الله بن راشد  عن 
حيوة بن شريح  قال سمعت 
يزيد بن أبي حبيب  يقول : قال 
ابن شهاب  حدثني 
سعيد ابن مرجانة  قال : جئت 
عبد الله بن عمر  فتلا هذه الآية : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء  " . ثم قال 
ابن عمر   : لئن آخذنا بهذه الآية ، لنهلكن ! ثم بكى 
ابن عمر  حتى سالت دموعه . قال ثم جئت 
عبد الله بن العباس  فقلت : يا 
أبا عباس ،  إني جئت 
ابن عمر  فتلا هذه الآية : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " الآية ، ثم قال : لئن واخذنا بهذه الآية لنهلكن ! ثم بكى حتى سالت دموعه ! فقال 
ابن عباس   : يغفر الله 
 nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر   ! لقد فرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها كما فرق 
ابن عمر  منها ، 
فأنزل الله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) ، فنسخ الله الوسوسة ، وأثبت القول والفعل . 
6459 - حدثني 
يونس  قال أخبرنا 
ابن وهب  قال أخبرني 
 nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد  عن 
ابن شهاب  عن 
سعيد بن مرجانة  يحدث : أنه بينا هو جالس سمع 
عبد الله بن عمر  تلا هذه الآية " 
لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " الآية ، فقال : والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن ! ثم بكى 
ابن عمر  حتى سمع نشيجه ، فقال 
ابن مرجانة   : فقمت حتى أتيت 
ابن عباس   [ ص: 107 ] فذكرت له ما تلا 
ابن عمر ،  وما فعل حين تلاها ، فقال عبد 
الله بن عباس   : يغفر الله 
لأبي عبد الرحمن !  لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد 
عبد الله بن عمر ،  فأنزل الله بعدها ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  ) إلى آخر السورة . قال 
ابن عباس   : فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها ، وصار الأمر إلى أن قضى الله - عز وجل - أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل . 
6460 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال أخبرنا 
عبد الرزاق  قال أخبرنا 
معمر  قال سمعت 
الزهري  يقول في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " قال : قرأها 
ابن عمر  فبكى وقال : إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ! فبكى حتى سمع نشيجه ، فقام رجل من عنده فأتى 
ابن عباس  فذكر ذلك له ، فقال : رحم الله 
ابن عمر   ! لقد وجد المسلمون نحوا مما وجد ، حتى نزلت : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  )  . 
6461 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
عبد الرزاق  عن 
جعفر بن سليمان  عن 
حميد الأعرج  عن 
مجاهد  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811341كنت عند ابن عمر  فقال : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " الآية ، فبكى . فدخلت على ابن عباس  فذكرت له ذلك ، فضحك ابن عباس  فقال : يرحم الله ابن عمر   !  [ ص: 108 ] أوما يدري فيم أنزلت ؟ إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غما شديدا وقالوا : يا رسول الله ، هلكنا ! فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قولوا : " سمعنا وأطعنا " فنسختها : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله  ) إلى قوله : ( وعليها ما اكتسبت  ) فتجوز لهم من حديث النفس ، وأخذوا بالأعمال  . 
6462 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون  عن 
سفيان بن حسين  عن 
الزهري  عن 
سالم   : أن أباه قرأ : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " فدمعت عينه ، فبلغ صنيعه 
ابن عباس ،  فقال : يرحم الله 
أبا عبد الرحمن !  لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت ، فنسختها الآية التي بعدها : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  )  .  
[ ص: 109 ] 
6463 - حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار  قال : حدثنا 
أبو أحمد  قال : حدثنا 
سفيان  عن 
عطاء بن السائب  عن 
سعيد بن جبير  قال : نسخت هذه الآية : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " - ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  ) . 
6464 - حدثنا 
ابن بشار  قال : حدثنا 
أبو أحمد  قال : حدثنا 
سفيان  عن 
آدم بن سليمان  عن 
سعيد بن جبير  قال : لما نزلت هذه الآية : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " قالوا : أنؤاخذ بما حدثنا به أنفسنا ، ولم تعمل به جوارحنا ؟ قال : فنزلت هذه الآية : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا  ) ، قال : ويقول : قد فعلت . قال : فأعطيت هذه الأمة خواتيم " سورة البقرة " لم تعطها الأمم قبلها  .  
[ ص: 110 ] 
6465 - حدثنا 
أبو كريب  قال : حدثنا 
جابر بن نوح  قال : حدثنا 
إسماعيل  عن 
عامر   : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء  " قال : فنسختها الآية بعدها ، قوله : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) . 
6466 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
جرير  عن 
مغيرة  عن 
الشعبي   : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " قال : نسختها الآية التي بعدها : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  ) وقوله : " وإن تبدوا " قال : يحاسب بما أبدى من سر أو أخفى من سر ، فنسختها التي بعدها . 
6467 - حدثني 
يعقوب  قال : حدثنا 
هشيم  قال أخبرنا 
سيار  عن 
الشعبي  قال : لما نزلت هذه الآية : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء  " قال : فكان فيها شدة ، حتى نزلت هذه الآية التي بعدها : ( 
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) ، قال : فنسخت ما كان قبلها . 
6468 - حدثني 
يعقوب  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية  عن 
ابن عون  قال : ذكروا عند 
الشعبي   : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " حتى بلغ ( 
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) ، قال : فقال 
الشعبي   : إلى هذا صار ، رجعت إلى آخر الآية  . 
6469 - حدثني 
يحيى بن أبي طالب  قال أخبرنا 
يزيد  قال أخبرنا 
جويبر  عن 
الضحاك  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " قال : قال 
ابن مسعود   : كانت المحاسبة قبل أن تنزل : ( 
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) ، فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها . 
6470 - حدثت عن 
الحسين  قال سمعت 
أبا معاذ  يقول : حدثنا 
عبيد   [ ص: 111 ] قال سمعت 
الضحاك  يذكر ، عن 
ابن مسعود  نحوه . 
6471 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
جرير  عن بيان ، عن 
الشعبي  قال : نسخت " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " ( 
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  )  . 
6472 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن 
موسى بن عبيدة  عن 
محمد بن كعب  وسفيان  عن 
جابر  عن 
مجاهد  وعن 
إبراهيم بن مهاجر  عن 
مجاهد  قالوا : نسخت هذه الآية ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  ) " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " الآية . 
6473 - حدثنا 
ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن 
إسرائيل  عن 
جابر  عن 
عكرمة  وعامر  بمثله . 
6474 - حدثنا 
المثنى  قال : حدثنا 
الحجاج  قال : حدثنا 
حماد  عن 
حميد  عن 
الحسن  في قوله : " وإن 
تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه  " إلى آخر الآية ، قال : محتها : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) . 
6475 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد  عن 
قتادة   : أنه قال : نسخت هذه الآية يعني قوله : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  ) الآية التي كانت قبلها : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " . 
6476 - حدثنا 
الحسن بن يحيى  قال أخبرنا 
عبد الرزاق  قال أخبرنا 
معمر  عن 
قتادة  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " قال : نسختها قوله : ( 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  ) . 
6477 - حدثني 
يونس  قال أخبرنا 
ابن وهب  قال حدثني 
ابن زيد  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=812004لما نزلت هذه الآية : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " إلى آخر  [ ص: 112 ] الآية ، اشتدت على المسلمين ، وشقت مشقة شديدة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو وقع في أنفسنا شيء لم نعمل به وأخذنا الله به ؟ قال : " فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل : " سمعنا وعصينا " ! قالوا : بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله ! قال : فنزل القرآن يفرجها عنهم : " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله  " إلى قوله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) ، قال : فصيره إلى الأعمال ، وترك ما يقع في القلوب . 
6478 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
الحجاج  قال : حدثنا 
هشيم  عن 
سيار  عن 
أبي الحكم  عن 
الشعبي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12077أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " قال : نسخت هذه الآية التي بعدها : ( 
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) . 
6479 - حدثني 
موسى  قال : حدثنا 
عمرو  قال : حدثنا 
أسباط  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  nindex.php?page=hadith&LINKID=812005قوله : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " قال : يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست به أنفسهم وما عملوا ، فشكوا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن عمل أحدنا وإن لم يعمل أخذنا به ؟ والله ما نملك الوسوسة ! ! فنسخها الله بهذه الآية التي بعد بقوله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها  ) الآية ، فكان حديث النفس مما لم تطيقوا . 
6480 - حدثت عن 
عمار  قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر  عن أبيه ، عن 
قتادة  أن 
عائشة  أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : نسختها قوله : ( 
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  ) .  
[ ص: 113 ] 
وقال آخرون ممن قال معنى ذلك : " الإعلام من الله - عز وجل - عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وعملته جوارحهم ، وبما حدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه " " هذه الآية محكمة غير منسوخة ، والله - عز وجل - محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما أسروه في أنفسهم ونووه وأرادوه ، فيغفره للمؤمنين ، ويؤاخذ به أهل الكفر والنفاق " . 
ذكر من قال ذلك : 
6481 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال حدثني 
معاوية  عن 
علي  عن 
ابن عباس  قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " فإنها لم تنسخ ، ولكن الله - عز وجل - إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، يقول الله - عز وجل - : " إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي " فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم ، وهو قوله : " 
يحاسبكم به الله  " يقول : يخبركم . وأما أهل الشك والريب ، فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب ، وهو قوله : ( 
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم  ) [ سورة البقرة : 225 ] ، من الشك والنفاق . 
6482 - حدثني 
محمد بن سعد  قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس   : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " فذلك سر عملكم وعلانيته ، يحاسبكم به الله ، فليس من عبد  
[ ص: 114 ] مؤمن يسر في نفسه خيرا ليعمل به ، فإن عمل به كتبت له به عشر حسنات ، وإن هو لم يقدر له أن يعمل به كتبت له به حسنة من أجل أنه مؤمن ، والله يرضى سر المؤمنين وعلانيتهم . وإن كان سوءا حدث به نفسه ، اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر ، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به ، فإن هو عمل به تجاوز الله عنه ، كما قال : ( 
أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم  )  [ سورة الأحقاف : 16 ] . 
6483 - حدثني 
يحيى بن أبي طالب  قال أخبرنا 
يزيد  قال أخبرنا 
جويبر  عن 
الضحاك  في قوله : ( 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  ) ، الآية ، قال : قال 
ابن عباس   : إن الله يقول يوم القيامة : " إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها ، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم ، فأغفر لمن شئت وأعذب من شئت " . 
6484 - حدثني 
يحيى بن أبي طالب  قال أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم  قال أخبرنا 
بيان  عن 
بشر  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم  قال : إذا كان يوم القيامة قال الله - عز وجل - يسمع الخلائق : " إنما كان كتابي يكتبون عليكم ما ظهر منكم ، فأما ما أسررتم فلم يكونوا يكتبونه ولا يعلمونه ، أنا الله أعلم بذلك كله منكم ، فأغفر لمن شئت ، وأعذب من شئت " . 
6485 - حدثت عن 
الحسين  قال سمعت 
أبا معاذ  قال أخبرنا 
عبيد  قال سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " كان 
ابن عباس  يقول : إذا دعي الناس للحساب أخبرهم الله بما كانوا يسرون في أنفسهم مما لم يعملوه فيقول : " إنه كان لا يعزب عني شيء ، وإني مخبركم بما كنتم تسرون من السوء ، ولم تكن حفظتكم عليكم مطلعين عليه " . فهذه المحاسبة  .  
[ ص: 115 ] 
6486 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثنا 
أبو تميلة  عن 
عبيد بن سليمان  عن 
الضحاك  عن 
ابن عباس  نحوه . 
6487 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر  عن أبيه ، عن 
الربيع  في قوله : " وإن 
تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " قال : هي محكمة ، لم ينسخها شيء يقول : " 
يحاسبكم به الله  " يقول : يعرفه الله يوم القيامة : " إنك أخفيت في صدرك كذا وكذا " ! لا يؤاخذه . 
6488 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر  عن أبيه ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد  عن 
الحسن  قال : هي محكمة لم تنسخ . 
6489 - حدثني 
يعقوب  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية  قال : حدثنا 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " قال : من الشك واليقين . 
6490 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  عن 
عيسى  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  في قول الله - عز وجل - : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " يقول : في الشك واليقين . 
6491 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  مثله . 
قال 
أبو جعفر   : فتأويل هذه الآية على قول 
ابن عباس  الذي رواه 
علي بن أبي طلحة :  وإن تبدوا ما في أنفسكم من شيء من الأعمال فتظهروه بأبدانكم وجوارحكم ، أو تخفوه فتسروه في أنفسكم ، فلم يطلع عليه أحد من خلقي ، أحاسبكم به ، فأغفر كل ذلك لأهل الإيمان ، وأعذب أهل الشرك والنفاق في ديني  .  
[ ص: 116 ] 
وأما على الرواية التي رواها عنه 
الضحاك  من رواية 
عبيد بن سليمان  عنه ، وعلى ما قاله 
الربيع بن أنس ،  فإن تأويلها : إن تظهروا ما في أنفسكم فتعملوه من المعاصي ، أو تضمروا إرادته في أنفسكم فتخفوه ، يعلمكم به الله يوم القيامة ، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء . 
وأما قول 
مجاهد ،  فشبيه معناه بمعنى قول 
ابن عباس  الذي رواه 
علي بن أبي طلحة   . 
وقال آخرون ممن قال : " هذه الآية محكمة ، وهي غير منسوخة " ووافقوا الذين قالوا : " معنى ذلك : أن الله - عز وجل - أعلم عباده ما هو فاعل بهم فيما أبدوا وأخفوا من أعمالهم " معناها : إن الله محاسب جميع خلقه بجميع ما أبدوا من سيئ أعمالهم ، وجميع ما أسروه ، ومعاقبهم عليه . غير أن عقوبته إياهم على ما أخفوه مما لم يعملوه ، ما يحدث لهم في الدنيا من المصائب والأمور التي يحزنون عليها ويألمون منها . 
ذكر من قال ذلك : 
6492 - حدثني 
يحيى بن أبي طالب  قال : حدثنا 
يزيد  قال أخبرنا 
جويبر  عن 
الضحاك  في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " الآية ، قال : كانت 
عائشة  رضي الله عنها تقول : من هم بسيئة فلم يعملها ، أرسل الله عليه من الهم والحزن مثل الذي هم به من السيئة فلم يعملها ، فكانت كفارته . 
6493 - حدثت عن 
الحسين  قال سمعت 
أبا معاذ  قال أخبرنا 
عبيد  قال  
[ ص: 117 ] سمعت 
الضحاك  يقول في قوله : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " قال : كانت 
عائشة  تقول : كل عبد يهم بمعصية ، أو يحدث بها نفسه ، حاسبه الله بها في الدنيا ، يخاف ويحزن ويهتم . 
6494 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال حدثني 
أبو تميلة  عن 
عبيد  عن 
الضحاك  قال : قالت 
عائشة  في ذلك : كل عبد هم بسوء ومعصية ، وحدث نفسه به ، حاسبه الله في الدنيا ، يخاف ويحزن ويشتد همه ، لا يناله من ذلك شيء ، كما هم بالسوء ولم يعمل منه شيئا . 
6495 - حدثنا 
الربيع  قال : حدثنا 
أسد بن موسى  قال : حدثنا 
حماد بن سلمة  عن 
علي بن زيد  عن 
أمية  أنها سألت 
عائشة  عن هذه الآية : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله  " و ( 
من يعمل سوءا يجز به  ) [ سورة النساء : 123 ] فقالت : ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا 
عائشة ،  هذه متابعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة ، حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه ، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير .  
[ ص: 118 ] 
قال 
أبو جعفر   : وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال : " إنها محكمة ، وليست بمنسوخة " . وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا بنفيه بآخر ، هو له ناف من كل وجوهه . وليس في قوله جل وعز : " 
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  " نفي الحكم الذي أعلم عباده بقوله : " 
أو تخفوه يحاسبكم به الله  " . لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبة ، ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه . 
وقد أخبر الله - عز وجل - عن المجرمين أنهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة يقولون : ( 
يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها  )  
[ ص: 119 ]  [ سورة الكهف : 49 ] . فأخبر أن كتبهم محصية عليهم صغائر أعمالهم وكبائرها ، فلم تكن الكتب - وإن أحصت صغائر الذنوب وكبائرها - بموجب إحصاؤها على أهل الإيمان بالله ورسوله ، وأهل الطاعة له ، أن يكونوا بكل ما أحصته الكتب من الذنوب معاقبين ؛ لأن الله - عز وجل - وعدهم العفو عن الصغائر باجتنابهم الكبائر فقال في تنزيله : ( 
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما  ) [ سورة النساء : 31 ] . فذلك محاسبة الله عباده المؤمنين بما هو محاسبهم به من الأمور التي أخفتها أنفسهم ، غير موجب لهم منه عقوبة ، بل محاسبته إياهم - إن شاء الله - عليها ، ليعرفهم تفضله عليهم بعفوه لهم عنها ، كما بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الذي : - 
6496 - حدثني به 
 nindex.php?page=showalam&ids=12235أحمد بن المقدام  قال : حدثنا 
المعتمر بن سليمان  قال سمعت أبي ، عن 
قتادة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16232صفوان بن محرز  عن 
ابن عمر  عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=811342يدني الله عبده المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بسيئاته يقول : هل تعرف ؟ فيقول : نعم ! فيقول : سترتها في الدنيا وأغفرها اليوم ! ثم يظهر له حسناته فيقول : ( هاؤم اقرءوا كتابيه  ) [ سورة الحاقة : 19 ] أو كما قال وأما الكافر فإنه ينادي به على رءوس الأشهاد . 
6497 - حدثنا 
ابن بشار  قال : حدثنا 
ابن أبي عدي  عن 
سعيد ،  وهشام  وحدثني 
يعقوب  قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية  قال أخبرنا 
هشام  قالا جميعا في حديثهما عن  
[ ص: 120 ] قتادة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16232صفوان بن محرز  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810235بينما نحن نطوف بالبيت  مع عبد الله بن عمر  وهو يطوف ، إذ عرض له رجل فقال : يا ابن عمر ،  أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بذنوبه فيقول : " هل تعرف كذا " ؟ فيقول : " رب اغفر " - مرتين - حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال : " فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم " . قال : فيعطى صحيفة حسناته - أو : كتابه - بيمينه ، وأما الكفار والمنافقون فينادي بهم على رءوس الأشهاد : ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين  )  . [ سورة هود : 18 ] .  
[ ص: 121 ] 
أن الله يفعل بعبده المؤمن من تعريفه إياه سيئات أعماله ، حتى يعرفه تفضله عليه بعفوه له عنها . فكذلك فعله - تعالى ذكره - في محاسبته إياه بما أبداه من نفسه وبما أخفاه من ذلك ، ثم يغفر له كل ذلك بعد تعريفه تفضله وتكرمه عليه ، فيستره عليه . وذلك هو المغفرة التي وعد الله عباده المؤمنين فقال : " فيغفر لمن يشاء " . 
قال 
أبو جعفر   : فإن قال قائل : فإن قوله : " 
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت  " ينبئ عن أن جميع الخلق غير مؤاخذين إلا بما كسبته أنفسهم من ذنب ، ولا مثابين إلا بما كسبته من خير ؟ 
قيل : إن ذلك كذلك ، 
وغير مؤاخذ العبد بشيء من ذلك إلا بفعل ما نهي عن فعله ، أو ترك ما أمر بفعله  . 
فإن قال : فإذ كان ذلك كذلك ، فما معنى وعيد الله - عز وجل - إيانا على ما أخفته أنفسنا بقوله : " ويعذب من يشاء " إن كان لها ما كسبت وعليها  
[ ص: 122 ] ما اكتسبت ، وما أضمرته قلوبنا وأخفته أنفسنا - : من هم بذنب ، أو إرادة لمعصية - لم تكتسبه جوارحنا ؟ 
قيل له : إن الله - جل ثناؤه - قد وعد المؤمنين أن يعفو لهم عما هو أعظم مما هم به أحدهم من المعاصي فلم يفعله ، وهو ما ذكرنا من وعده إياهم العفو عن صغائر ذنوبهم إذا هم اجتنبوا كبائرها ، وإنما الوعيد من الله - عز وجل - بقوله : " ويعذب من يشاء " على ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله ، والمرية في وحدانيته ، أو في نبوة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من عند الله ، أو في المعاد والبعث - من المنافقين ، على نحو ما قال 
ابن عباس  ومجاهد ،  ومن قال بمثل قولهما إن تأويل قوله : " 
أو تخفوه يحاسبكم به الله  " على الشك واليقين . 
غير أنا نقول إن المتوعد بقوله : " 
ويعذب من يشاء  " هو من كان إخفاء نفسه ما تخفيه الشك والمرية في الله ، وفيما يكون الشك فيه بالله كفرا والموعود الغفران بقوله : " 
فيغفر لمن يشاء  " هو الذي إخفاء ما يخفيه الهمة بالتقدم على بعض ما نهاه الله عنه من الأمور التي كان جائزا ابتداء تحليله وإباحته ، فحرمه على خلقه - جل ثناؤه - أو على ترك بعض ما أمر الله بفعله ، مما كان جائزا ابتداء إباحة تركه ، فأوجب فعله على خلقه . فإن الذي يهم بذلك من المؤمنين - إذا هو لم يصحح همه بما يهم به ، ويحقق ما أخفته نفسه من ذلك  
[ ص: 123 ] بالتقدم عليه - لم يكن مأخوذا به ، كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : 
6498 - " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=810236من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه " . 
فهذا الذي وصفنا هو الذي يحاسب الله به مؤمني عباده ، ثم لا يعاقبهم عليه . فأما من كان ما أخفته نفسه شكا في الله وارتيابا في نبوة أنبيائه ، فذلك هو الهالك المخلد في النار الذي أوعده - جل ثناؤه - العذاب الأليم بقوله : " 
ويعذب من يشاء  " . 
قال 
أبو جعفر   : فتأويل الآية إذا : " 
وإن تبدوا ما في أنفسكم  " أيها الناس ، فتظهروه " 
أو تخفوه  " فتنطوي عليه نفوسكم " 
يحاسبكم به الله  " فيعرف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه ومغفرته له فيغفره له ، ويعذب منافقكم على الشك الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوة أنبيائه .