القول في 
تأويل قوله ( القيوم ) 
قال 
أبو جعفر   : قد ذكرنا اختلاف القرأة في ذلك ، والذي نختار منه ، وما العلة التي من أجلها اخترنا ما اخترنا من ذلك . 
فأما تأويل جميع الوجوه التي ذكرنا أن القرأة قرأت بها فمتقارب . ومعنى ذلك كله : القيم بحفظ كل شيء ورزقه وتدبيره وتصريفه فيما شاء وأحب من تغيير وتبديل وزيادة ونقص كما : - 
6550 - حدثني 
محمد بن عمرو  قال : حدثنا 
أبو عاصم  قال : حدثنا 
عيسى بن ميمون  قال : حدثنا 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  في قول الله - جل ثناؤه - : " الحي القيوم " قال : القائم على كل شيء .  
[ ص: 158 ] 
6551 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
أبو حذيفة  قال : حدثنا 
شبل  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  مثله . 
6552 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
إسحاق  قال : حدثنا 
ابن أبي جعفر  عن أبيه ، عن 
الربيع   : " القيوم " قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه  . 
وقال آخرون : " معنى ذلك : القيام على مكانه " . ووجهوه إلى القيام الدائم الذي لا زوال معه ولا انتقال ، وأن الله - عز وجل - إنما نفى عن نفسه بوصفها بذلك التغير والتنقل من مكان إلى مكان ، وحدوث التبدل الذي يحدث في الآدميين وسائر خلقه غيرهم . 
ذكر من قال ذلك : 
6553 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
سلمة  عن 
محمد بن إسحاق  عن 
محمد بن جعفر بن الزبير   : " القيوم " القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول ، وقد زال 
عيسى  في قولهم يعني في قول الأحبار الذين حاجوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من 
أهل نجران   في 
عيسى  عن مكانه الذي كان به ، وذهب عنه إلى غيره . 
قال 
أبو جعفر   : وأولى التأويلين بالصواب ما قاله 
مجاهد  والربيع ،  وأن ذلك وصف من الله - تعالى ذكره - نفسه بأنه القائم بأمر كل شيء ، في رزقه والدفع عنه ، وكلاءته وتدبيره وصرفه في قدرته من قول العرب : " فلان قائم بأمر هذه البلدة " يعني بذلك : المتولي تدبير أمرها . 
[ ص: 159 ] 
ف " القيوم " إذ كان ذلك معناه " الفيعول " من قول القائل : " الله يقوم بأمر خلقه " . وأصله " القيووم " غير أن " الواو " الأولى من " القيووم " لما سبقتها " ياء " ساكنة وهي متحركة قلبت " ياء " فجعلت هي و " الياء " التي قبلها " ياء " مشددة ؛ لأن العرب كذلك تفعل ب " الواو " المتحركة إذا تقدمتها " ياء " ساكنة . 
وأما " القيام " فإن أصله " القيوام " وهو " الفيعال " من " قام يقوم " سبقت " الواو " المتحركة من " قيوام " " ياء " ساكنة ، فجعلتا جميعا " ياء " مشددة . 
ولو أن " القيوم " " فعول " كان " القووم " ولكنه " الفيعول " . وكذلك " القيام " لو كان " الفعال " لكان " القوام " كما قيل : " الصوام والقوام " وكما قال - جل ثناؤه - : ( 
كونوا قوامين لله شهداء بالقسط  ) [ سورة المائدة : 8 ] ، ولكنه " الفيعال " فقيل : " القيام " . 
وأما " القيم " فهو " الفيعل " من " قام يقوم " سبقت " الواو " المتحركة " ياء " ساكنة فجعلتا " ياء " مشددة ، كما قيل : " فلان سيد قومه " من " ساد يسود " و " هذا طعام جيد " من " جاد يجود " وما أشبه ذلك . 
وإنما جاء ذلك بهذه الألفاظ ؛ لأنه قصد به قصد المبالغة في المدح ، فكان " القيوم " و " القيام " و " القيم " أبلغ في المدح من " القائم " وإنما كان 
عمر  رضي الله عنه يختار قراءته - إن شاء الله - " القيام " ؛ لأن ذلك الغالب على منطق 
أهل الحجاز   في ذوات الثلاثة من " الياء " " الواو " فيقولون للرجل الصواغ :  
[ ص: 160 ]  " الصياغ " ويقولون للرجل الكثير الدوران : " الديار " . وقد قيل إن قول الله - جل ثناؤه - : ( 
لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا  ) [ سورة نوح : 26 ] إنما هو " دوار " " فعالا " من " دار يدور " ولكنها نزلت بلغة 
أهل الحجاز ،   وأقرت كذلك في المصحف .