1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة آل عمران
  4. القول في تأويل قوله تعالى " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : وما يعلم وقت قيام الساعة ، وانقضاء مدة أكل محمد وأمته ، وما هو كائن ، إلا الله ، دون من سواه من البشر الذين أملوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتنجيم والكهانة . وأما الراسخون في العلم فيقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " - لا يعلمون ذلك ، ولكن فضل علمهم في ذلك على غيرهم ، العلم بأن الله هو العالم بذلك دون من سواه من خلقه .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، وهل " الراسخون " معطوف على اسم " الله " ، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه ، أم هم مستأنف ذكرهم ، بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون : آمنا بالمتشابه وصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله ؟

فقال بعضهم : معنى ذلك : وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردا بعلمه . وأما الراسخون في العلم ، فإنهم ابتدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون : آمنا بالمتشابه والمحكم ، وأن جميع ذلك من عند الله .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 202 ]

6626 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا خالد بن نزار عن نافع عن ابن أبي مليكة عن عائشة قوله : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به " قالت : كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه ، ولم يعلموا تأويله .

6627 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : كان ابن عباس يقول : ( وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون [ في العلم ] آمنا به )

6628 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن أبي الزناد قال قال هشام بن عروة : كان أبي يقول في هذه الآية " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله ، ولكنهم يقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " .

6629 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد الله عن أبي نهيك الأسدي قوله : " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " فيقول : إنكم تصلون هذه الآية ، وإنها مقطوعة : " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا . [ ص: 203 ]

6630 - حدثنا المثنى قال : حدثنا ابن دكين قال : حدثنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : " والراسخون في العلم " انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا " آمنا به كل من عند ربنا " .

6631 - حدثني يونس قال أخبرنا أشهب عن مالك في قوله : " وما يعلم تأويله إلا الله " قال : ثم ابتدأ فقال : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " وليس يعلمون تأويله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ، وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم يقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " .

ذكر من قال ذلك :

6632 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال : أنا ممن يعلم تأويله .

6633 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " والراسخون في العلم " يعلمون تأويله ، ويقولون : " آمنا به " .

6634 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " والراسخون في العلم يعلمون تأويله ، ويقولون : " آمنا به " .

6635 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " والراسخون في العلم " يعلمون تأويله ويقولون : " آمنا به " .

6636 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وما يعلم تأويله " الذي أراد ، ما أراد " إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " فكيف يختلف ، وهو قول واحد [ ص: 204 ] من رب واحد ؟ ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد ، فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضا ، فنفذت به الحجة ، وظهر به العذر ، وزاح به الباطل ، ودمغ به الكفر .

قال أبو جعفر : فمن قال القول الأول في ذلك ، وقال : إن الراسخين لا يعلمون تأويل ذلك ، وإنما أخبر الله عنهم بإيمانهم وتصديقهم بأنه من عند الله ، فإنه يرفع " الراسخين في العلم " بالابتداء في قول البصريين ، ويجعل خبره : " يقولون آمنا به " . وأما في قول بعض الكوفيين ، فبالعائد من ذكرهم في " يقولون " . وفي قول بعضهم : بجملة الخبر عنهم ، وهي : " يقولون " .

ومن قال القول الثاني ، وزعم أن الراسخين يعلمون تأويله ، عطف ب " الراسخين " على اسم " الله " فرفعهم بالعطف عليه .

قال أبو جعفر : والصواب عندنا في ذلك أنهم مرفوعون بجملة خبرهم بعدهم وهو : " يقولون " لما قد بينا قبل من أنهم لا يعلمون تأويل المتشابه الذي ذكره الله - عز وجل - في هذه الآية ، وهو فيما بلغني مع ذلك في قراءة أبي : ( ويقول الراسخون في العلم ) كما ذكرناه عن ابن عباس أنه كان يقرؤه . وفي قراءة عبد الله : ( إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون ) .

قال أبو جعفر : وأما معنى " التأويل " في كلام العرب ، فإنه التفسير والمرجع والمصير . وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى : [ ص: 205 ]

على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا

وأصله من : " آل الشيء إلى كذا " - إذا صار إليه ورجع " يئول أولا " و " أولته أنا " صيرته إليه . وقد قيل إن قوله : ( وأحسن تأويلا ) [ سورة النساء : 59 \ سورة الإسراء : 35 ] أي جزاء . وذلك أن " الجزاء " هو الذي آل إليه أمر القوم وصار إليه .

ويعني بقوله : " تأول حبها " : تفسير حبها ومرجعه . وإنما يريد بذلك أن حبها كان صغيرا في قلبه ، فآل من الصغر إلى العظم ، فلم يزل ينبت حتى أصحب ، فصار قديما ، كالسقب الصغير الذي لم يزل يشب حتى أصحب فصار كبيرا مثل أمه . [ ص: 206 ] وقد ينشد هذا البيت :


    على أنها كانت توابع حبها
توالي ربعي السقاب فأصحبا



التالي السابق


الخدمات العلمية