1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة آل عمران
  4. القول في تأويل قوله تعالى " قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد ( 15 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - : قل ، يا محمد ، للناس الذين زين لهم حب الشهوات من النساء والبنين ، وسائر ما ذكر ربنا - جل ثناؤه - : " أؤنبئكم " أأخبركم وأعلمكم " بخير من ذلكم " يعني : بخير وأفضل لكم " من [ ص: 260 ] ذلكم " يعني : مما زين لكم في الدنيا حب شهوته من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، وأنواع الأموال التي هي متاع الدنيا .

ثم اختلف أهل العربية في الموضع الذي تناهى إليه الاستفهام من هذا الكلام .

فقال بعضهم : تناهى ذلك عند قوله : " من ذلكم " ثم ابتدأ الخبر عما للذين اتقوا عند ربهم ، فقيل : " للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " فلذلك رفع " الجنات " .

ومن قال هذا القول لم يجز في قوله : " جنات تجري من تحتها الأنهار " إلا الرفع ، وذلك أنه خبر مبتدأ غير مردود على قوله : " بخير " فيكون الخفض فيه جائزا . وهو وإن كان خبرا مبتدأ عندهم ، ففيه إبانة عن معنى " الخير " الذي أمر الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : للناس : أؤنبئكم به ؟ " والجنات " على هذا القول مرفوعة باللام التي في قوله : " للذين اتقوا عند ربهم " .

وقال آخرون منهم بنحو من هذا القول ، إلا أنهم قالوا : إن جعلت اللام التي في قوله : " للذين " من صلة " الإنباء " جاز في " الجنات " الخفض والرفع : الخفض على الرد على " الخير " والرفع على أن يكون قوله : " للذين اتقوا " خبر مبتدأ ، على ما قد بيناه قبل .

وقال آخرون : بل منتهى الاستفهام قوله : " عند ربهم " ثم ابتدأ : " جنات تجري من تحتها الأنهار " . وقالوا : تأويل الكلام : " قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم " ثم كأنه قيل : " ماذا لهم " . أو : " ما ذاك " ؟ فقال : هو " جنات تجري من تحتها الأنهار " الآية . [ ص: 261 ]

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من جعل الاستفهام متناهيا عند قوله : " بخير من ذلكم " والخبر بعده مبتدأ عمن له الجنات بقوله : " للذين اتقوا عند ربهم جنات " فيكون مخرج ذلك مخرج الخبر ، وهو إبانة عن معنى " الخير " الذي قال : أؤنبئكم به ؟ فلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير . قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : وأما قوله : " خالدين فيها " فمنصوب على القطع

ومعنى قوله : " للذين اتقوا " للذين خافوا الله فأطاعوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه . " عند ربهم " يعني بذلك : لهم جنات تجري من تحتها الأنهار عند ربهم . " والجنات " البساتين ، وقد بينا ذلك بالشواهد فيما مضى وأن قوله : " تجري من تحتها الأنهار " يعني به : من تحت الأشجار ، وأن " الخلود " فيها دوام البقاء فيها ، وأن " الأزواج المطهرة " هن نساء الجنة اللواتي طهرن من كل [ ص: 262 ] أذى يكون بنساء أهل الدنيا ، من الحيض والمني والبول والنفاس وما أشبه ذلك من الأذى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : " ورضوان من الله " يعني : ورضى الله ، وهو مصدر من قول القائل : " رضي الله عن فلان فهو يرضى عنه رضى " منقوص " ورضوانا ورضوانا ومرضاة " . فأما " الرضوان " بضم الراء ، فهو لغة قيس ، وبه كان عاصم يقرأ .

قال أبو جعفر : وإنما ذكر الله - جل ثناؤه - فيما ذكر للذين اتقوا عنده من الخير رضوانه ، لأن رضوانه أعلى منازل كرامة أهل الجنة ، كما : -

6751 - حدثنا ابن بشار قال حدثني أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال الله تبارك وتعالى : أعطيكم أفضل من هذا ! فيقولون : أي ربنا ، أي شيء أفضل من هذا ؟ قال : رضواني .

وقوله : " والله بصير بالعباد " يعني بذلك : والله ذو بصر بالذي يتقيه من عباده فيخافه ، فيطيعه ، ويؤثر ما عنده مما ذكر أنه أعده للذين اتقوه على حب ما زين له في عاجل الدنيا من شهوات النساء والبنين وسائر ما عدد منها تعالى [ ص: 263 ] ذكره وبالذي لا يتقيه فيخافه ، ولكنه يعصيه ويطيع الشيطان ويؤثر ما زين له في الدنيا من حب شهوة النساء والبنين والأموال ، على ما عنده من النعيم المقيم عالم - تعالى ذكره - بكل فريق منهم ، حتى يجازي كلهم عند معادهم إليه جزاءهم ، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .

التالي السابق


الخدمات العلمية