صفحة جزء
[ ص: 313 ] القول في تأويل قوله ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة )

قال أبو جعفر : وهذا نهي من الله - عز وجل - للمؤمنين أن يتخذوا الكفار أعوانا وأنصارا وظهورا ، ولذلك كسر " يتخذ " لأنه في موضع جزم بالنهي ، ولكنه كسر " الذال " منه ، للساكن الذي لقيه وهي ساكنة .

ومعنى ذلك : لا تتخذوا ، أيها المؤمنون ، الكفار ظهرا وأنصارا توالونهم على دينهم ، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين ، وتدلونهم على عوراتهم ، فإنه من يفعل ذلك " فليس من الله في شيء " يعني بذلك : فقد برئ من الله وبرئ الله منه ، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر " إلا أن تتقوا منهم تقاة " إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم ، وتضمروا لهم العداوة ، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ، ولا تعينوهم على مسلم بفعل ، كما : -

6825 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " قال : نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين ، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين ، فيظهرون لهم اللطف ، ويخالفونهم في الدين . وذلك قوله : " إلا أن تتقوا منهم تقاة [ ص: 314 ]

6826 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق ، وقيس بن زيد ، قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة بن المنذر بن زنبر ، وعبد الله بن جبير ، وسعد بن خيثمة ، لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء اليهود ، واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم ! فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم ولزومهم ، فأنزل الله - عز وجل - : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " إلى قوله : " والله على كل شيء قدير " .

6827 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " يقول : لا يتخذ المؤمن كافرا وليا من دون المؤمنين .

6828 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين " إلى " إلا أن تتقوا منهم تقاة " أما " أولياء " فيواليهم في دينهم ، ويظهرهم على عورة المؤمنين ، فمن فعل هذا فهو مشرك ، فقد برئ الله منه إلا أن يتقي تقاة ، فهو يظهر الولاية لهم في دينهم ، والبراءة من المؤمنين .

6829 - حدثني المثنى قال : حدثنا قبيصة بن عقبة قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 315 ] عن ابن جريج ، عمن حدثه ، عن ابن عباس : " إلا أن تتقوا منهم تقاة " قال : التقاة التكلم باللسان ، وقلبه مطمئن بالإيمان .

6830 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله : " إلا أن تتقوا منهم تقاة ، قال : ما لم يهرق دم مسلم ، وما لم يستحل ماله .

6831 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، إلا مصانعة في الدنيا ومخالقة .

6832 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

6833 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " إلى " إلا أن تتقوا منهم تقاة " قال : قال أبو العالية : التقية باللسان وليس بالعمل .

6834 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " إلا أن تتقوا منهم تقاة " قال : التقية باللسان . من حمل على أمر يتكلم به وهو لله معصية ، فتكلم مخافة على نفسه ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، فلا إثم عليه ، إنما التقية باللسان .

6835 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : " إلا أن تتقوا منهم تقاة " فالتقية باللسان . من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله ، فيتكلم به مخافة [ ص: 316 ] الناس وقلبه مطمئن بالإيمان ، فإن ذلك لا يضره . إنما التقية باللسان .

وقال آخرون : معنى : " إلا أن تتقوا منهم تقاة ، إلا أن يكون بينك وبينه قرابة .

ذكر من قال ذلك :

6836 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين إلا أن تتقوا منهم تقية " نهى الله المؤمنين أن يوادوا الكفار أو يتولوهم دون المؤمنين . وقال الله : " إلا أن تتقوا منهم تقية " الرحم من المشركين ، من غير أن يتولوهم في دينهم ، إلا أن يصل رحما له في المشركين .

6837 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء " قال : لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافرا وليا في دينه ، وقوله : " إلا أن تتقوا منهم تقاة " قال : أن يكون بينك وبينه قرابة ، فتصله لذلك .

6838 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن الحسن في قوله : " إلا أن تتقوا منهم تقاة " قال : صاحبهم في الدنيا معروفا ، الرحم وغيره . فأما في الدين فلا .

قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله قتادة تأويل له وجه ، وليس بالوجه الذي يدل عليه ظاهر الآية : إلا أن تتقوا من الكافرين تقاة فالأغلب من معاني هذا الكلام : إلا أن تخافوا منهم مخافة . فالتقية التي ذكرها الله في هذه الآية . إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم . ووجهه قتادة إلى أن تأويله : إلا أن تتقوا الله من أجل القرابة التي بينكم وبينهم تقاة ، فتصلون رحمها . وليس ذلك الغالب على [ ص: 317 ] معنى الكلام . والتأويل في القرآن على الأغلب الظاهر من معروف كلام العرب المستعمل فيهم .

وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله : " إلا أن تتقوا منهم تقاة "

فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) ، على تقدير " فعلة " مثل : " تخمة ، وتؤدة وتكأة " من " اتقيت " .

وقرأ ذلك آخرون : " إلا أن تتقوا منهم تقية " ، على مثال " فعيلة " .

قال أبو جعفر : والقراءة التي هي القراءة عندنا ، قراءة من قرأها : " إلا أن تتقوا منهم تقاة " لثبوت حجة ذلك بأنه القراءة الصحيحة ، بالنقل المستفيض الذي يمتنع منه الخطأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية