القول في 
تأويل قوله جل ثناؤه : ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها  ) 
قال 
أبو جعفر :  يعني تعالى ذكره بقوله : " 
كلما رزقوا منها  " : من الجنات ، والهاء راجعة على الجنات ، وإنما المعني أشجارها ، فكأنه قال : كلما رزقوا - من أشجار البساتين التي أعدها الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في جناته - من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل . 
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " 
هذا الذي رزقنا من قبل  " 
فقال بعضهم : تأويل ذلك : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا . 
ذكر من قال ذلك : 
512 - حدثني 
موسى بن هارون ،  قال : حدثنا 
عمرو بن حماد ،  قال : حدثنا  
[ ص: 386 ] أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  في خبر ذكره ، عن 
أبي مالك ،  وعن 
أبي صالح ،  عن 
ابن عباس  ، وعن 
مرة  ، عن 
ابن مسعود  ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : " 
هذا الذي رزقنا من قبل  " قال : إنهم أتوا بالثمرة في الجنة ، فلما نظروا إليها قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا . 
513 - حدثنا 
بشر بن معاذ  ، قال : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع  ، عن 
سعيد  ، عن 
قتادة   : " 
قالوا هذا الذي رزقنا من قبل  " أي في الدنيا . 
514 - حدثني 
محمد بن عمرو  ، قال : حدثنا 
أبو عاصم ،  عن 
عيسى بن ميمون ،  عن 
ابن أبي نجيح  ، عن 
مجاهد   : " 
قالوا هذا الذي رزقنا من قبل  " يقولون : ما أشبهه به . 
515 - حدثنا 
القاسم  ، قال : حدثنا 
الحسين  ، قال : حدثني 
حجاج  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،  عن 
مجاهد ،  مثله . 
516 - حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ،  قال : أخبرنا 
ابن وهب  ، قال : قال 
ابن زيد   : " 
قالوا هذا الذي رزقنا من قبل  " في الدنيا ، قال : " وأتوا به متشابها " يعرفونه . 
قال 
أبو جعفر :  وقال آخرون : بل تأويل ذلك : هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا ، لشدة مشابهة بعض ذلك في اللون والطعم بعضا . ومن علة قائلي هذا القول : أن 
ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله  . 
517 - كما حدثنا 
ابن بشار  ، قال : حدثنا 
ابن مهدي  ، قال : حدثنا 
سفيان  ، قال : سمعت 
عمرو بن مرة  يحدث ، عن 
أبي عبيدة  ، قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، وثمرها مثل القلال ، كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى .  
[ ص: 387 ] 
قالوا : فإنما اشتبهت عند أهل الجنة ، لأن التي عادت ، نظيرة التي نزعت فأكلت ، في كل معانيها . قالوا : ولذلك قال الله جل ثناؤه : " 
وأتوا به متشابها  " لاشتباه جميعه في كل معانيه . 
وقال بعضهم : بل قالوا : " 
هذا الذي رزقنا من قبل  " لمشابهته الذي قبله في اللون ، وإن خالفه في الطعم . 
ذكر من قال ذلك : 
518 - حدثنا 
القاسم بن الحسين  ، قال : حدثنا 
الحسين بن داود ،  قال : حدثنا شيخ من المصيصة ، عن 
الأوزاعي ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير  ، قال : يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها ، ثم يؤتى بأخرى فيقول : هذا الذي أتينا به من قبل . فيقول الملك : كل ، فاللون واحد والطعم مختلف . 
وهذا التأويل مذهب من تأول الآية . غير أنه يدفع صحته ظاهر التلاوة . والذي يدل على صحته ظاهر الآية ويحقق صحته قول القائلين : إن معنى ذلك : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا . وذلك أن الله جل ثناؤه قال : " 
كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا  " فأخبر جل ثناؤه أن من قيل أهل الجنة كلما رزقوا من ثمر الجنة رزقا أن يقولوا : هذا الذي رزقنا من قبل . ولم يخصص بأن ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعض . فإذ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قيلهم في كل ما رزقوا من ثمرها ، فلا شك أن ذلك من قيلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها ، الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة . فإذ كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله ، كما هو من قيلهم في أوسطه وما يتلوه - فمعلوم أنه محال أن يكون من قيلهم لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة : هذا الذي رزقنا من قبل هذا من ثمار  
[ ص: 388 ] الجنة! وكيف يجوز أن يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيره : هذا هو الذي رزقناه من قبل ؟ إلا أن ينسبهم ذو غية وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه ، أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها ، فيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله : " 
كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا  " من غير نصب دلالة على أنه معني به حال من أحوال دون حال . 
فقد تبين بما بينا أن معنى الآية : كلما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا . 
فإن سألنا سائل ، فقال : وكيف قال القوم : هذا الذي رزقنا من قبل ، والذي رزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه ؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الجنة قولا لا حقيقة له ؟ 
قيل : إن الأمر على غير ما ذهبت إليه في ذلك . وإنما معناه : هذا من النوع الذي رزقناه من قبل هذا ، من الثمار والرزق . كالرجل يقول لآخر : قد أعد لك فلان من الطعام كذا وكذا من ألوان الطبيخ والشواء والحلوى . فيقول المقول له ذاك : هذا طعامي في منزلي . يعني بذلك : أن النوع الذي ذكر له صاحبه أنه أعده له من الطعام هو طعامه ، لا أن أعيان ما أخبره صاحبه أنه قد أعده له ، هو طعامه . بل ذلك مما لا يجوز لسامع سمعه يقول ذلك ، أن يتوهم أنه أراده أو قصده ، لأن ذلك خلاف مخرج كلام المتكلم . وإنما يوجه كلام كل متكلم إلى المعروف في الناس من مخارجه ، دون المجهول من معانيه . فكذلك ذلك في قوله : " 
قالوا هذا الذي رزقنا من قبل  " إذ كان ما كانوا رزقوه من قبل قد فني وعدم . فمعلوم أنهم عنوا بذلك : هذا من النوع الذي رزقناه من قبل ، ومن جنسه  
[ ص: 389 ] في السمات والألوان ، على ما قد بينا من القول في ذلك في كتابنا هذا .