1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة البقرة
  4. القول في تأويل قوله تعالى " كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " كلما رزقوا منها " : من الجنات ، والهاء راجعة على الجنات ، وإنما المعني أشجارها ، فكأنه قال : كلما رزقوا - من أشجار البساتين التي أعدها الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في جناته - من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل .

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " هذا الذي رزقنا من قبل "

فقال بعضهم : تأويل ذلك : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا .

ذكر من قال ذلك :

512 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا [ ص: 386 ] أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : " هذا الذي رزقنا من قبل " قال : إنهم أتوا بالثمرة في الجنة ، فلما نظروا إليها قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا .

513 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : " قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " أي في الدنيا .

514 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " يقولون : ما أشبهه به .

515 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

516 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " في الدنيا ، قال : " وأتوا به متشابها " يعرفونه .

قال أبو جعفر : وقال آخرون : بل تأويل ذلك : هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا ، لشدة مشابهة بعض ذلك في اللون والطعم بعضا . ومن علة قائلي هذا القول : أن ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله .

517 - كما حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت عمرو بن مرة يحدث ، عن أبي عبيدة ، قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، وثمرها مثل القلال ، كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى . [ ص: 387 ]

قالوا : فإنما اشتبهت عند أهل الجنة ، لأن التي عادت ، نظيرة التي نزعت فأكلت ، في كل معانيها . قالوا : ولذلك قال الله جل ثناؤه : " وأتوا به متشابها " لاشتباه جميعه في كل معانيه .

وقال بعضهم : بل قالوا : " هذا الذي رزقنا من قبل " لمشابهته الذي قبله في اللون ، وإن خالفه في الطعم .

ذكر من قال ذلك :

518 - حدثنا القاسم بن الحسين ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثنا شيخ من المصيصة ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها ، ثم يؤتى بأخرى فيقول : هذا الذي أتينا به من قبل . فيقول الملك : كل ، فاللون واحد والطعم مختلف .

وهذا التأويل مذهب من تأول الآية . غير أنه يدفع صحته ظاهر التلاوة . والذي يدل على صحته ظاهر الآية ويحقق صحته قول القائلين : إن معنى ذلك : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا . وذلك أن الله جل ثناؤه قال : " كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا " فأخبر جل ثناؤه أن من قيل أهل الجنة كلما رزقوا من ثمر الجنة رزقا أن يقولوا : هذا الذي رزقنا من قبل . ولم يخصص بأن ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعض . فإذ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قيلهم في كل ما رزقوا من ثمرها ، فلا شك أن ذلك من قيلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها ، الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة . فإذ كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله ، كما هو من قيلهم في أوسطه وما يتلوه - فمعلوم أنه محال أن يكون من قيلهم لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة : هذا الذي رزقنا من قبل هذا من ثمار [ ص: 388 ] الجنة! وكيف يجوز أن يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيره : هذا هو الذي رزقناه من قبل ؟ إلا أن ينسبهم ذو غية وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه ، أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها ، فيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله : " كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا " من غير نصب دلالة على أنه معني به حال من أحوال دون حال .

فقد تبين بما بينا أن معنى الآية : كلما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا .

فإن سألنا سائل ، فقال : وكيف قال القوم : هذا الذي رزقنا من قبل ، والذي رزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه ؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الجنة قولا لا حقيقة له ؟

قيل : إن الأمر على غير ما ذهبت إليه في ذلك . وإنما معناه : هذا من النوع الذي رزقناه من قبل هذا ، من الثمار والرزق . كالرجل يقول لآخر : قد أعد لك فلان من الطعام كذا وكذا من ألوان الطبيخ والشواء والحلوى . فيقول المقول له ذاك : هذا طعامي في منزلي . يعني بذلك : أن النوع الذي ذكر له صاحبه أنه أعده له من الطعام هو طعامه ، لا أن أعيان ما أخبره صاحبه أنه قد أعده له ، هو طعامه . بل ذلك مما لا يجوز لسامع سمعه يقول ذلك ، أن يتوهم أنه أراده أو قصده ، لأن ذلك خلاف مخرج كلام المتكلم . وإنما يوجه كلام كل متكلم إلى المعروف في الناس من مخارجه ، دون المجهول من معانيه . فكذلك ذلك في قوله : " قالوا هذا الذي رزقنا من قبل " إذ كان ما كانوا رزقوه من قبل قد فني وعدم . فمعلوم أنهم عنوا بذلك : هذا من النوع الذي رزقناه من قبل ، ومن جنسه [ ص: 389 ] في السمات والألوان ، على ما قد بينا من القول في ذلك في كتابنا هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية