صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ( 46 ) )

قال أبو جعفر : وأما قوله : " ويكلم الناس في المهد " فإن معناه : إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، وجيها عند الله ، ومكلما الناس في المهد .

ف " يكلم " وإن كان مرفوعا ، لأنه في صورة " يفعل " بالسلامة من العوامل فيه ، فإنه في موضع نصب ، وهو نظير قول الشاعر :


بت أعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائر

[ ص: 417 ]

وأما " المهد " فإنه يعني به : مضجع الصبي في رضاعه ، كما : -

7071 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " ويكلم الناس في المهد " قال : مضجع الصبي في رضاعه .

وأما قوله : " وكهلا " فإنه : ومحتنكا فوق الغلومة ، ودون الشيخوخة ، يقال منه : " رجل كهل وامرأة كهلة " كما قال الراجز :


ولا أعود بعدها كريا     أمارس الكهلة والصبيا

[ ص: 418 ]

وإنما عنى - جل ثناؤه - بقوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " ويكلم الناس طفلا في المهد دلالة على براءة أمه مما قرفها به المفترون عليها ، وحجة له على نبوته وبالغا كبيرا بعد احتناكه ، بوحي الله الذي يوحيه إليه ، وأمره ونهيه ، وما ينزل عليه من كتابه .

وإنما أخبر الله - عز وجل - عباده بذلك من أمر المسيح ، وأنه كذلك كان ، وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلمون كهولا وشيوخا احتجاجا به على القائلين فيه من أهل الكفر بالله من النصارى الباطل ، وأنه كان [ منذ أنشأه ] مولودا طفلا ثم كهلا يتقلب في الأحداث ، ويتغير بمرور الأزمنة عليه والأيام ، من صغر إلى كبر ، ومن حال إلى حال وأنه لو كان ، كما قال الملحدون فيه ، كان ذلك غير جائز عليه . فكذب بذلك ما قاله الوفد من أهل نجران الذين حاجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، واحتج به عليهم [ ص: 419 ] لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأعلمهم أنه كان كسائر بني آدم ، إلا ما خصه الله به من الكرامة التي أبانه بها منهم ، كما : -

7072 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين " : يخبرهم بحالاته التي يتقلب بها في عمره ، كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارا وكبارا ، إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوته ، وتعريفا للعباد مواقع قدرته .

7073 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين " يقول : يكلمهم صغيرا وكبيرا .

7074 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : يكلمهم صغيرا وكبيرا .

7075 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وكهلا ومن الصالحين " قال : الكهل الحليم .

7076 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : كلمهم صغيرا وكبيرا وكهلا وقال ابن جريج ، وقال مجاهد : الكهل الحليم .

7077 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : كلمهم في المهد صبيا ، وكلمهم كبيرا . [ ص: 420 ]

وقال آخرون : معنى قوله : " وكهلا " ، أنه سيكلمهم إذا ظهر .

ذكر من قال ذلك :

7078 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعته - يعني ابن زيد - يقول في قوله : " ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : قد كلمهم عيسى في المهد ، وسيكلمهم إذا قتل الدجال ، وهو يومئذ كهل .

ونصب " كهلا " عطفا على موضع " ويكلم الناس " .

وأما قوله : " ومن الصالحين " فإنه يعني : من عدادهم وأوليائهم ، لأن أهل الصلاح بعضهم من بعض في الدين والفضل .

التالي السابق


الخدمات العلمية