القول في تأويل قوله ( أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله  ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " 
ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم  " ثم بين عن الآية ما هي ، فقال : " 
أني أخلق لكم  " . 
فتأويل الكلام : ورسولا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم بآية من ربكم ، بأن أخلق لكم من الطين كهيئة الطير .  
[ ص: 425 ] 
" والطير " جمع " طائر " . 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأه بعض 
أهل الحجاز   : ( كهيئة الطائر فأنفخ فيه فيكون طائرا ) ، على التوحيد . 
وقرأه آخرون : ( 
كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا  ) ، على الجماع فيهما . 
قال 
أبو جعفر   : وأعجب القراءات إلي في ذلك قراءة من قرأ : " كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا ، على الجماع فيهما جميعا ، لأن ذلك كان من صفة 
عيسى  أنه يفعل ذلك بإذن الله ، وأنه موافق لخط المصحف . واتباع خط المصحف مع صحة المعنى واستفاضة القراءة به ، أعجب إلي من خلاف المصحف . 
وكان خلق 
عيسى  ما كان يخلق من الطير ، كما : - 
7086 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
سلمة  قال : حدثنا 
ابن إسحاق   : أن 
عيسى  صلوات الله عليه جلس يوما مع غلمان من الكتاب ، فأخذ طينا ، ثم قال : أجعل لكم من هذا الطين طائرا ؟ قالوا : وتستطيع ذلك ! قال : نعم ! بإذن ربي . ثم هيأه ، حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه ، ثم قال : " كن طائرا بإذن الله " فخرج يطير بين كفيه . فخرج الغلمان بذلك من أمره ، فذكروه لمعلمهم ،  
[ ص: 426 ] فأفشوه في الناس . وترعرع ، فهمت به بنو إسرائيل ، فلما خافت أمه عليه حملته على حمير لها ، ثم خرجت به هاربة . 
وذكر أنه لما أراد أن يخلق الطير من الطين سألهم : أي الطير أشد خلقا ؟ فقيل له : الخفاش ، كما : - 
7087 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : قوله : " 
أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير  " قال : أي الطير أشد خلقا ؟ قالوا : الخفاش ، إنما هو لحم . قال ففعل . 
قال 
أبو جعفر   : فإن قال قائل : وكيف قيل : " فأنفخ فيه " وقد قيل : " 
أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير  " ؟ 
قيل : لأن معنى الكلام : فأنفخ في الطير . ولو كان ذلك : " فأنفخ فيها " . كان صحيحا جائزا ، كما قال في المائدة ، ( 
فتنفخ فيها  ) [ سورة المائدة : 110 ] : يريد : فتنفخ في الهيئة . وقد ذكر أن ذلك في إحدى القراءتين : " فأنفخها " بغير " في " . وقد تفعل العرب مثل ذلك فتقول : " رب ليلة قد بتها ، وبت فيها " قال الشاعر :  
[ ص: 427 ] ما شق جيب ولا قامتك نائحة ولا بكتك جياد عند أسلاب 
بمعنى : ولا قامت عليك ، وكما قال الآخر : 
إحدى بني عيذ الله استمر بها     حلو العصارة حتى ينفخ الصور