[ ص: 465 ] القول في تأويل قوله ( 
فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين  ( 57 ) ( 56 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فأما الذين كفروا " فأما الذين جحدوا نبوتك يا 
عيسى ،  وخالفوا ملتك ، وكذبوا بما جئتهم به من الحق ، وقالوا فيك الباطل ، وأضافوك إلى غير الذي ينبغي أن يضيفوك إليه ، من 
اليهود  والنصارى  وسائر أصناف الأديان ، فإني أعذبهم عذابا شديدا ، أما في الدنيا فبالقتل والسباء والذلة والمسكنة ، وأما في الآخرة فبنار جهنم خالدين فيها أبدا " وما لهم من ناصرين " يقول : وما لهم من عذاب الله مانع ، ولا عن أليم عقابه لهم دافع بقوة ولا شفاعة ، لأنه العزيز ذو الانتقام . 
وأما قوله : " 
وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات  " فإنه يعني تعالى ذكره : وأما الذين آمنوا بك يا 
عيسى   - يقول : صدقوك - فأقروا بنبوتك وبما جئتهم به من الحق من عندي ، ودانوا بالإسلام الذي بعثتك به ، وعملوا بما فرضت من فرائضي على لسانك ، وشرعت من شرائعي ، وسننت من سنني . كما : 
7156 - حدثني 
المثنى  قال : حدثنا 
عبد الله بن صالح  قال : حدثني 
معاوية ،  عن 
علي ،  عن 
ابن عباس  قوله : " وعملوا الصالحات " يقول : أدوا فرائضي . 
" 
فيوفيهم أجورهم  " يقول : فيعطيهم جزاء أعمالهم الصالحة كاملا لا يبخسون منه شيئا ولا ينقصونه .  
[ ص: 466 ] 
وأما قوله : " 
والله لا يحب الظالمين  " فإنه يعني : والله لا يحب من ظلم غيره حقا له ، أو وضع شيئا في غير موضعه . 
فنفى - جل ثناؤه - عن نفسه بذلك أن يظلم عباده ، فيجازي المسيء ممن كفر جزاء المحسنين ممن آمن به ، أو يجازي المحسن ممن آمن به واتبع أمره وانتهى عما نهاه عنه فأطاعه ، جزاء المسيئين ممن كفر به وكذب رسله وخالف أمره ونهيه . فقال : إني لا أحب الظالمين ، فكيف أظلم خلقي ؟ 
وهذا القول من الله تعالى ذكره ، وإن كان خرج مخرج الخبر ، فإنه وعيد منه للكافرين به وبرسله ، ووعد منه للمؤمنين به وبرسله ، لأنه أعلم الفريقين جميعا أنه لا يبخس هذا المؤمن حقه ، ولا يظلم كرامته فيضعها فيمن كفر به وخالف أمره ونهيه ، فيكون لها بوضعها في غير أهلها ظالما .