القول في 
تأويل قوله ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون  ( 59 ) ) 
قال 
أبو جعفر   : يعني - جل ثناؤه - : إن شبه 
عيسى  في خلقي إياه من غير فحل فأخبر به ، يا 
محمد ،  الوفد من 
نصارى نجران  عندي ، كشبه 
آدم  الذي  
[ ص: 468 ] خلقته من تراب ثم قلت له : " كن " فكان من غير فحل ولا ذكر ولا أنثى . يقول : فليس خلقي 
عيسى  من أمه من غير فحل ، بأعجب من خلقي 
آدم  من غير ذكر ولا أنثى ، وأمري إذا أمرته أن يكون فكان لحما . يقول : فكذلك خلقى 
عيسى   : أمرته أن يكون فكان . 
وذكر أهل التأويل أن الله - عز وجل - أنزل هذه الآية احتجاجا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على الوفد من 
نصارى نجران  الذين حاجوه في 
عيسى   . 
ذكر من قال ذلك : 
7160 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
جرير ،  عن 
مغيرة ،  عن 
عامر  قال : كان 
أهل نجران   أعظم قوم من 
النصارى  في 
عيسى  قولا فكانوا يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية في سورة آل عمران : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون  " إلى قوله " 
فنجعل لعنة الله على الكاذبين  " . 
7161 - حدثني 
محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن 
ابن عباس  قوله : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون  " وذلك أن رهطا من 
أهل نجران   قدموا على 
محمد   - صلى الله عليه وسلم - وكان فيهم 
السيد  والعاقب  فقالوا 
لمحمد   : ما شأنك تذكر صاحبنا ؟ فقال : من هو ؟ قالوا : 
عيسى ،  تزعم أنه عبد الله ! فقال 
محمد   :  
[ ص: 469 ] أجل ، إنه عبد الله . قالوا له : فهل رأيت مثل 
عيسى ،  أو أنبئت به ؟ ثم خرجوا من عنده ، فجاءه 
جبريل   - صلى الله عليه وسلم - بأمر ربنا السميع العليم فقال : قل لهم إذا أتوك : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم  " إلى آخر الآية . 
7162 - حدثنا 
بشر  قال : حدثنا 
يزيد  قال : حدثنا 
سعيد ،  عن 
قتادة  قوله : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون  " ذكر لنا أن سيدي 
أهل نجران  وأسقفيهم : 
السيد  والعاقب ،  لقيا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن 
عيسى  فقالا كل آدمي له أب ، فما شأن 
عيسى  لا أب له ؟ فأنزل الله - عز وجل - فيه هذه الآية : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون  " . 
7163 - حدثنا 
محمد بن الحسين  قال : حدثنا 
أحمد بن المفضل  قال : حدثنا 
أسباط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي   : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب  " لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمع به 
أهل نجران ،  أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم . منهم : 
العاقب ،  والسيد ،  وماسرجس ،  ومار يحز   . فسألوه ما يقول  
[ ص: 470 ] في 
عيسى ،  فقال : هو عبد الله وروحه وكلمته . قالوا هم : لا ! ولكنه هو الله ، نزل من ملكه فدخل في جوف 
مريم ،  ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره ! فهل رأيت قط إنسانا خلق من غير أب ؟ فأنزل الله - عز وجل - : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون  " .  7164 - حدثنا 
القاسم  قال : حدثنا 
الحسين  قال : حدثني 
حجاج ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريح ،  عن 
عكرمة  قوله : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون  " قال : نزلت في 
العاقب  والسيد  من 
أهل نجران ،  وهما نصرانيان  . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   : بلغنا أن 
نصارى أهل نجران  قدم وفدهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيهم 
السيد  والعاقب ،  وهما يومئذ سيدا 
أهل نجران ،  فقالوا : يا 
محمد ،  فيما تشتم صاحبنا ؟ قال : من صاحبكما ! قالا 
عيسى ابن مريم ،  تزعم أنه عبد ! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أجل ، إنه عبد الله وكلمته ألقاها إلى 
مريم  وروح منه . فغضبوا وقالوا : إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه ، الآية ، لكنه الله . فسكت حتى أتاه 
جبريل  فقال : يا 
محمد   : ( 
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم  ) [ سورة المائدة : 17 ، 72 ] الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا 
جبريل ،  إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل 
عيسى   . قال 
جبريل   : مثل 
عيسى  كمثل 
آدم  خلقه من تراب ثم قال له : كن فيكون . فلما أصبحوا عادوا ، فقرأ عليهم الآيات  . 
7165 - حدثنا 
ابن حميد  قال : حدثنا 
سلمة ،  عن 
ابن إسحاق ،  عن 
محمد بن جعفر بن الزبير   : " 
إن مثل عيسى عند الله  " فاسمع ، " 
كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين  " فإن قالوا :  
[ ص: 471 ] خلق 
عيسى  من غير ذكر ، فقد خلقت 
آدم  من تراب بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكر ، فكان كما كان 
عيسى  لحما ودما وشعرا وبشرا ، فليس خلق 
عيسى  من غير ذكر بأعجب من هذا . 
7166 - حدثني 
يونس  قال : أخبرنا 
ابن وهب  قال : قال 
ابن زيد  في قول الله - عز وجل - : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب  " قال : أتى نجرانيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا له : هل علمت أن أحدا ولد من غير ذكر ، فيكون 
عيسى  كذلك ؟ قال : فأنزل الله - عز وجل - : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون  " أكان 
لآدم  أب أو أم ! ! كما خلقت هذا في بطن هذه ؟ 
قال 
أبو جعفر   : فإن قال قائل : فكيف قال : " 
كمثل آدم خلقه  " " 
وآدم   " معرفة ، والمعارف لا توصل ؟ 
قيل : إن قوله : " 
خلقه من تراب  " غير صلة 
لآدم ،  وإنما هو بيان عن أمره على وجه التفسير عن المثل الذي ضربه ، وكيف كان . 
وأما قوله : " 
ثم قال له كن فيكون  " فإنما قال : " فيكون " وقد ابتدأ الخبر عن خلق 
آدم ،  وذلك خبر عن أمر قد تقضى ، وقد أخرج الخبر عنه مخرج الخبر عما قد مضى فقال - جل ثناؤه - : " 
خلقه من تراب ثم قال له كن  " لأنه بمعنى الإعلام من الله نبيه أن تكوينه الأشياء بقوله : " كن " ثم قال : " فيكون "  
[ ص: 472 ] خبرا مبتدأ ، وقد تناهى الخبر عن أمر آدم عند قوله : " كن " . 
فتأويل الكلام إذا : " 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن  " واعلم ، يا 
محمد ،  أن ما قال له ربك " كن " فهو كائن . 
فلما كان في قوله : " 
كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن  " دلالة على أن الكلام يراد به إعلام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وسائر خلقه أنه كائن ما كونه ابتداء من غير أصل ولا أول ولا عنصر ، استغنى بدلالة الكلام على المعنى ، وقيل : " فيكون " فعطف بالمستقبل على الماضي على ذلك المعنى . 
وقد قال بعض أهل العربية : " فيكون " رفع على الابتداء ، ومعناه : كن فكان ، فكأنه قال : فإذا هو كائن .