صفحة جزء
[ ص: 519 ] القول في تأويل قوله ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله - عز وجل - : أن من أهل الكتاب - وهم اليهود من بني إسرائيل - أهل أمانة يؤدونها ولا يخونونها ، ومنهم الخائن أمانته ، الفاجر في يمينه المستحل .

فإن قال قائل : وما وجه إخبار الله - عز وجل - بذلك نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد علمت أن الناس لم يزالوا كذلك : منهم المؤدي أمانته والخائنها ؟

قيل : إنما أراد جل وعز بإخباره المؤمنين خبرهم - على ما بينه في كتابه بهذه الآيات - تحذيرهم أن يأتمنوهم على أموالهم ، وتخويفهم الاغترار بهم ، لاستحلال كثير منهم أموال المؤمنين .

فتأويل الكلام : ومن أهل الكتاب الذي إن تأمنه ، يا محمد ، على عظيم من المال كثير ، يؤده إليك ولا يخنك فيه ، ومنهم الذي إن تأمنه على دينار يخنك فيه فلا يؤده إليك ، إلا أن تلح عليه بالتقاضي والمطالبة . [ ص: 520 ]

و " الباء " في قوله : " بدينار " و " على " يتعاقبان في هذا الموضع ، كما يقال : " مررت به ، ومررت عليه " .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " .

فقال بعضهم : " إلا ما دمت له متقاضيا " .

ذكر من قال ذلك :

7261 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " إلا ما طلبته واتبعته .

7262 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " قال : تقتضيه إياه .

7263 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " قال : مواظبا .

7264 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

وقال آخرون : معنى ذلك : " إلا ما دمت قائما على رأسه " .

ذكر من قال ذلك :

7265 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " إلا ما دمت عليه قائما " يقول : يعترف [ ص: 521 ] بأمانته ما دمت قائما على رأسه ، فإذا قمت ثم جئت تطلبه كافرك الذي يؤدي ، والذي يجحد .

قال أبو جعفر : وأولى القولين بتأويل الآية ، قول من قال : " معنى ذلك : إلا ما دمت عليه قائما بالمطالبة والاقتضاء " . من قولهم : " قام فلان بحقي على فلان حتى استخرجه لي " أي عمل في تخليصه ، وسعى في استخراجه منه حتى استخرجه . لأن الله - عز وجل - إنما وصفهم باستحلالهم أموال الأميين ، وأن منهم من لا يقضي ما عليه إلا بالاقتضاء الشديد والمطالبة . وليس القيام على رأس الذي عليه الدين ، بموجب له النقلة عما هو عليه من استحلال ما هو له مستحل ، ولكن قد يكون - مع استحلاله الذهاب بما عليه لرب الحق - إلى استخراجه السبيل بالاقتضاء والمحاكمة والمخاصمة . فذلك الاقتضاء ، هو قيام رب المال باستخراج حقه ممن هو عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية