( 
لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين   ( 21 ) ) 
( 
لأعذبنه عذابا شديدا   ) واختلفوا في العذاب الذي أوعده به ، فأظهر الأقاويل أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطا ، لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض . وقال 
مقاتل   nindex.php?page=showalam&ids=13093وابن حيان    : لأطلينه بالقطران ولأشمسنه . وقيل : لأودعنه القفص . وقيل : لأفرقن بينه وبين إلفه . وقيل : لأحبسنه مع ضده . ) ( أو لأذبحنه ) لأقطعن حلقه ( 
أو ليأتيني بسلطان مبين   ) بحجة بينة في غيبته ، وعذر ظاهر ، قرأ 
ابن كثير    : " ليأتينني " بنونين ، الأولى مشددة ، وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة . 
وكان 
سبب غيبة الهدهد على ما ذكره العلماء أن 
سليمان  لما فرغ من بناء 
بيت المقدس  عزم على الخروج إلى 
أرض الحرم  ، فتجهز للمسير ، واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ ، فحملهم الريح ، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم ، وكان ينحر كل يوم بمقامه 
بمكة  خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة وقال لمن حضره من أشراف قومه : إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا ، يعطى النصر على جميع من ناوأه ، وتبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحق سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم . قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله ؟ قال : يدين بدين الحنيفية ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، فقالوا : كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله ؟ قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل ، قال : فأقام 
بمكة  حتى قضى نسكه ، ثم خرج من 
مكة  صباحا ، وسار نحو 
اليمن  فوافى 
صنعاء  وقت الزوال ، وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فأحب   
[ ص: 154 ] النزول بها ليصلي ويتغدى ، فلما نزل قال الهدهد : إن 
سليمان  قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر إلى طول الدنيا وعرضها ، ففعل ذلك ، فنظر يمينا وشمالا فرأى بستانا 
لبلقيس  ، فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه ، وكان اسم هدهد 
سليمان    " يعفور " واسم هدهد 
اليمن    " عنفير " ، فقال عنفير 
اليمن  ليعفور 
سليمان    : من أين أقبلت وأين تريد ؟ قال : أقبلت من 
الشام  مع صاحبي 
سليمان بن داود    . فقال : ومن 
سليمان ؟  قال ملك الجن والإنس والشياطين والطير والوحوش والرياح ، فمن أين أنت ؟ قال : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها ؟ قال : امرأة يقال لها 
بلقيس  ، وإن لصاحبكم ملكا عظيما ولكن ليس ملك 
بلقيس  دونه ، فإنها ملكة 
اليمن  كلها ، وتحت يدها اثنا عشر ألف قائد ، تحت يد كل قائد مائة ألف 
مقاتل  ، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها ؟ قال : أخاف أن يتفقدني 
سليمان  في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ونظر إلى 
بلقيس  وملكها ، وما رجع إلى 
سليمان  إلا في وقت العصر . قال : فلما نزل 
سليمان  ودخل عليه وقت الصلاة وكان نزل على غير ماء ، فسأل الإنس والجن والشياطين عن الماء فلم يعلموا ، فتفقد الطير ، ففقد الهدهد ، فدعا عريف الطير - وهو النسر - فسأله عن الهدهد ، فقال : أصلح الله الملك ، ما أدري أين هو ، وما أرسلته مكانا ، فغضب عند ذلك 
سليمان  ، وقال : ) ( لأعذبنه عذابا شديدا ) الآية . ثم دعا العقاب سيد الطير فقال : علي بالهدهد الساعة ، فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ثم التفت يمينا وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو 
اليمن  ، فانقض العقاب نحوه يريده ، فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء فناشده ، فقال : بحق الله الذي قواك وأقدرك علي إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، قال : فولى عنه العقاب ، وقال له : ويلك ثكلتك أمك ، إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ، ثم طارا متوجهين نحو 
سليمان  ، فلما انتهيا إلى المعسكر تلقاه النسر والطير ، فقالوا له : ويلك أين غبت في يومك هذا ؟ ولقد توعدك نبي الله ، وأخبراه بما قال ، فقال الهدهد : أوما استثنى رسول الله ؟ قالوا : بلى ، قال : " أو ليأتيني بسلطان مبين " ، قال : فنجوت إذا ، ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا 
سليمان  وكان قاعدا على كرسيه ، فقال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله ، فلما قرب الهدهد رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا 
لسليمان  ، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه وقال : أين كنت ؟ لأعذبنك عذابا شديدا ، فقال الهدهد : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى ، فلما سمع 
سليمان  ذلك ارتعد وعفا عنه ، ثم سأله فقال : ما الذي أبطأ بك عني ؟ فقال الهدهد ما أخبر الله عنه في قوله : ) ( فمكث غير بعيد )