[ ص: 271 ]   ( 
أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير   ( 33 ) 
ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون   ( 34 ) 
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون   ( 35 ) ) 
( ( 
أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن   ) لم يعجز عن إبداعهن ( بقادر ) هكذا قراءة العامة ، واختلفوا في وجه دخول الباء فيه ، فقال 
أبو عبيدة   nindex.php?page=showalam&ids=13674والأخفش    : الباء زائدة للتأكيد ، كقوله : " تنبت بالدهن " . 
وقال 
الكسائي  ، 
والفراء    : العرب تدخل الباء في الاستفهام مع الجحد ، فتقول : ما أظنك بقائم . 
وقرأ 
يعقوب    : " يقدر " بالياء على الفعل ، واختار 
أبو عبيدة  قراءة العامة لأنها في قراءة 
عبد الله  قادر بغير باء . 
( 
على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير   ) . 
( 
ويوم يعرض الذين كفروا على النار   ) فيقال لهم ( 
أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال   ) أي فيقال لهم : ( 
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون   ) . 
( 
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل   ) قال 
ابن عباس    : ذوو الحزم . وقال 
الضحاك    : ذوو الجد والصبر . 
واختلفوا فيهم ، فقال 
ابن زيد    : كل الرسل كانوا أولي عزم ، لم يبعث الله نبيا إلا كان ذا عزم وحزم ، ورأي وكمال عقل ، وإنما أدخلت " من " للتجنيس لا للتبعيض ، كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز . 
وقال بعضهم : الأنبياء كلهم أولو عزم إلا 
يونس بن متى  ، لعجلة كانت منه ، ألا ترى أنه قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " ولا تكن كصاحب الحوت " ؟ . 
وقال قوم : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ، وهم ثمانية عشر ، لقوله تعالى بعد ذكرهم : " 
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده   " ( الأنعام - 90 ) . 
وقال 
الكلبي    : هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين .   
[ ص: 272 ] 
وقيل : هم ستة : 
نوح  ، 
وهود ،  وصالح  ، 
ولوط  ، 
وشعيب  ، 
وموسى  ، عليهم السلام ، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء . 
وقال 
مقاتل    : هم ستة : 
نوح  ، صبر على أذى قومه ، 
وإبراهيم  ، صبر على النار ، 
وإسحاق  صبر على الذبح ، 
ويعقوب ،  صبر على فقد ولده وذهاب بصره ، 
ويوسف  ، صبر على البئر والسجن ، 
وأيوب  ، صبر على الضر . 
وقال 
ابن عباس  وقتادة    : هم 
نوح  ، 
وإبراهيم  ، 
وموسى  ، 
وعيسى  ، أصحاب الشرائع ، فهم مع 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - خمسة . 
قلت : ذكرهم الله على التخصيص في قوله : " 
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم   " ( الأحزاب - 7 ) ، وفي قوله تعالى : " 
شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا   " ( الشورى - 13 ) . 
أخبرنا 
أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي  ، حدثنا 
أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني  ، أخبرنا 
أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ ،  أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328عبد الرحمن بن أبي حاتم  ، أخبرنا 
محمد بن الحجاج  ، أخبرنا 
السري بن حيان  ، أخبرنا 
عباد بن عباد  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد بن سعيد  ، عن 
الشعبي  ، عن 
مسروق  قال : قالت 
عائشة  قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : 
  " يا عائشة  إن الدنيا لا تنبغي لمحمد  ولا لآل محمد ،  يا عائشة  إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها ، والصبر على مجهودها ، ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم ، وقال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وإني والله لا بد لي من طاعته ، والله لأصبرن كما صبروا ، وأجهدن كما جهدوا ، ولا قوة إلا بالله   " . 
قوله تعالى : ( 
ولا تستعجل لهم   ) أي ولا تستعجل العذاب لهم ، فإنه نازل بهم لا محالة ، كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم ، فأمر بالصبر وترك الاستعجال . 
ثم أخبر عن قرب العذاب فقال :   
[ ص: 273 ] 
( 
كأنهم يوم يرون ما يوعدون   ) من العذاب في الآخرة ( 
لم يلبثوا   ) [ في الدنيا ] ( 
إلا ساعة من نهار   ) أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار ، لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن . 
ثم قال : ( بلاغ ) أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم ، والبلاغ بمعنى التبليغ ( 
فهل يهلك   ) بالعذاب إذا نزل ( 
إلا القوم الفاسقون   ) الخارجون من أمر الله . 
قال 
الزجاج    : تأويله : لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون ، ولهذا قال قوم : ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية .