1. الرئيسية
  2. تفسير البغوي
  3. سورة المجادلة
  4. تفسير قوله تعالى " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا "
صفحة جزء
( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير ( 3 ) )

( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ) ثم حكم الظهار : أنه يحرم على الزوج وطؤها بعد الظهار ما لم يكفر ، والكفارة تجب بالعود بعد الظهار . لقوله تعالى : " ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة " .

واختلف أهل العلم في " العود " فقال أهل الظاهر : هو إعادة لفظ الظهار ، وهو قول أبي العالية لقوله تعالى : " ثم يعودون لما قالوا " أي إلى ما قالوا [ أي أعادوه مرة أخرى ] . فإن لم يكرر اللفظ فلا كفارة عليه .

وذهب قوم إلى أن الكفارة تجب بنفس الظهار ، والمراد من " العود " هو : العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من نفس الظهار ، وهو قول مجاهد والثوري .

وقال قوم : المراد من " العود " الوطء وهو قول الحسن وقتادة وطاوس والزهري وقالوا : لا كفارة عليه ما لم يطأها . وقال قوم : هو العزم على الوطء ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي .

وذهب الشافعي إلى أن العود هو أن يمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها فلم يفعل ، فإن طلقها عقيب الظهار في الحال أو مات أحدهما في الوقت فلا كفارة عليه لأن العود للقول هو المخالفة . وفسر ابن عباس " العود " بالندم ، فقال : يندمون فيرجعون إلى الألفة ، ومعناه هذا .

قال الفراء يقال : عاد فلان لما قال ، أي فيما قال ، وفي نقض ما قال يعني : [ ص: 52 ] رجع عما قال .

وهذا يبين ما قال الشافعي وذلك أن قصده بالظهار التحريم ، فإذا أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما قاله فتلزمه الكفارة ، حتى قال : لو ظاهر عن امرأته الرجعية ينعقد ظهاره ولا كفارة عليه حتى يراجعها فإن راجعها صار عائدا ولزمته الكفارة .

قوله : ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) والمراد ب " التماس " : المجامعة ، فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها ما لم يكفر ، سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو بالإطعام ، وعند مالك إن أراد التكفير بالإطعام يجوز له الوطء قبله ، لأن الله تعالى قيد العتق والصوم بما قبل المسيس وقال في الإطعام : " فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " ولم يقل : من قبل أن يتماسا . وعند الآخرين : الإطلاق في الإطعام محمول على المقيد في العتق والصيام .

واختلفوا في تحريم ما سوى الوطء من المباشرات قبل التكفير ، كالقبلة والتلذذ : فذهب أكثرهم إلى أنه لا يحرم سوى الوطء ، وهو قول الحسن ، وسفيان الثوري وأظهر قولي الشافعي كما أن الحيض يحرم الوطء دون سائر الاستمتاعات .

وذهب بعضهم إلى أنه يحرم ، لأن اسم " التماس " يتناول الكل ، ولو جامع المظاهر قبل التكفير يعصي الله تعالى ، والكفارة في ذمته . ولا يجوز أن يعود ما لم يكفر ، ولا يجب بالجماع كفارة أخرى . وقال بعض أهل العلم : إذا واقعها قبل التكفير عليه كفارتان .

وكفارة الظهار مرتبة يجب عليه عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين ، فإن أفطر يوما متعمدا أو نسي النية يجب عليه استئناف الشهرين ، فإن عجز عن الصوم يجب عليه أن يطعم ستين مسكينا . وقد ذكرنا في سورة المائدة مقدار ما يطعم كل مسكين . [ ص: 53 ] ( ذلكم توعظون به ) تؤمرون به ( والله بما تعملون خبير ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية