1. الرئيسية
  2. تفسير البغوي
  3. سورة البقرة
  4. تفسير قوله تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "
صفحة جزء
( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ( 44 ) واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ( 45 ) الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ( 46 ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ( 47 ) واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ( 48 ) )

( أتأمرون الناس بالبر ) أي بالطاعة نزلت في علماء اليهود وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم اثبت على دينه فإن أمره حق وقوله صدق . وقيل هو خطاب لأحبارهم حيث أمروا أتباعهم بالتمسك بالتوراة ثم خالفوا وغيروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( وتنسون أنفسكم ) أي تتركون أنفسكم فلا تتبعونه ( وأنتم تتلون الكتاب ) تقرءون التوراة فيها نعته وصفته ( أفلا تعقلون ) أنه حق فتتبعونه

والعقل مأخوذ من عقال الدابة وهو ما يشد به ركبة البعير فيمنعه من الشرود فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة أنا الحسين بن الفضل البجلي أنا عفان أنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون [ ص: 89 ] الكتاب "

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال قال أسامة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه ( أي تنقطع أمعاؤه ) في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه وقال شعبة عن الأعمش فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه " .

( واستعينوا ) على ما يستقبلكم من أنواع البلاء وقيل على طلب الآخرة ( بالصبر والصلاة ) أراد حبس النفس عن المعاصي . وقيل أراد : الصبر على أداء الفرائض ، وقال مجاهد : الصبر الصوم ومنه سمي شهر رمضان شهر الصبر وذلك لأن الصوم يزهده في الدنيا والصلاة ترغبه في الآخرة وقيل الواو بمعنى على ، أي واستعينوا بالصبر على الصلاة كما قال الله تعالى : " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " ( 132 - طه ) ( وإنها ) ولم يقل وإنهما ردا للكناية إلى كل واحد منهما أي وإن كل خصلة منهما . كما قال : كلتا الجنتين آتت أكلها " ( 33 - الكهف ) أي كل واحدة منهما . وقيل معناه ( واستعينوا بالصبر ) وإنه لكبير وبالصلاة وإنها لكبيرة فحذف أحدهما اختصارا وقال المؤرج رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم كقوله تعالى : " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها " ( 34 - التوبة ) رد الكناية إلى الفضة لأنها أعم . وقيل رد الكناية إلى الصلاة لأن الصبر داخل فيها . كما قال الله تعالى : " والله ورسوله أحق أن يرضوه " ( 62 - التوبة ) ولم يقل يرضوهما لأن رضا الرسول داخل في رضا الله تعالى .

وقال الحسين بن الفضل : رد الكناية إلى الاستعانة ( لكبيرة ) أي لثقيلة ( إلا على الخاشعين ) [ ص: 90 ] يعني المؤمنين وقال الحسن : الخائفين وقيل المطيعين وقال مقاتل بن حيان : المتواضعين وأصل الخشوع السكون قال الله تعالى : " وخشعت الأصوات للرحمن " ( 108 - طه ) فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى

( الذين يظنون ) يستيقنون أنهم مبعوثون وأنهم محاسبون وأنهم راجعون إلى الله تعالى أي يصدقون بالبعث وجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعا إليه .

والظن من الأضداد يكون شكا ويقينا وأملا كالرجاء يكون خوفا وأملا وأمنا ( أنهم ملاقو ربهم ) معاينو ( ربهم ) في الآخرة وهو رؤية الله تعالى وقيل المراد من اللقاء الصيرورة إليه ( وأنهم إليه راجعون ) فيجزيهم بأعمالهم

( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ) أي عالمي زمانكم وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء لكن يحصل به الشرف للأبناء

( واتقوا يوما ) واخشوا عقاب يوم ( لا تجزي نفس ) لا تقضي نفس ( عن نفس شيئا ) أي حقا لزمها وقيل لا تغني وقيل : لا تكفي شيئا من الشدائد ( ولا يقبل منها شفاعة ) قرأ ابن كثير ويعقوب بالتاء لتأنيث الشفاعة وقرأ الباقون بالياء لأن الشفع والشفاعة بمعنى واحد كالوعظ والموعظة فالتذكير على المعنى والتأنيث على اللفظ كقوله تعالى : " قد جاءتكم موعظة من ربكم " ( 57 - يونس ) وقال في موضع آخر " فمن جاءه موعظة من ربه " ( 275 - البقرة ) أي لا تقبل منها شفاعة إذا كانت كافرة ( ولا يؤخذ منها عدل ) أي فداء وسمي به لأنه مثل المفدي . والعدل المثل ( ولا هم ينصرون ) يمنعون من عذاب الله

التالي السابق


الخدمات العلمية