1. الرئيسية
  2. تفسير البغوي
  3. سورة هود
  4. تفسير قوله تعالى " فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم "
صفحة جزء
[ ص: 206 ] ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ( 116 ) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ( 117 ) . ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ( 118 ) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 119 ) .

قوله عز وجل : ( فلولا ) فهلا ( كان من القرون ) التي أهلكناهم ( من قبلكم ) والآية للتوبيخ ( أولو بقية ) أي : أولو تمييز . وقيل : أولو طاعة . وقيل : أولو خير . يقال : فلان ذو بقية إذا كان فيه خير . معناه : فهلا كان من القرون من قبلكم من فيه خير ينهى عن الفساد في الأرض ؟ [ وقيل : معناه أولو بقية من خير . يقال : فلان على بقية من الخير إذا كان على خصلة محمودة ] .

( ينهون عن الفساد في الأرض ) أي يقومون بالنهي عن الفساد ، ومعناه جحد ، أي : لم يكن فيهم أولو بقية . ( إلا قليلا ) هذا استثناء منقطع معناه : لكن قليلا ( ممن أنجينا منهم ) وهم أتباع الأنبياء كانوا ينهون عن الفساد في الأرض . ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا ) نعموا ( فيه ) والمترف : المنعم . وقال مقاتل بن حيان : خولوا . وقال الفراء : [ عودوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا ] أي : واتبع الذين ظلموا ما عودوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا على الآخرة . ( وكانوا مجرمين ) كافرين .

( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم ) أي : لا يهلكهم بشركهم ( وأهلها مصلحون ) فيما بينهم يتعاطون الإنصاف ولا يظلم بعضهم بعضا ، وإنما يهلكهم إذا تظالموا ، وقيل : لا يهلكهم بظلم منه وهم مصلحون في أعمالهم ، ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السيئات .

قوله عز وجل : ( ولو شاء ربك لجعل الناس ) كلهم ( أمة واحدة ) على دين واحد . ( ولا يزالون مختلفين ) على أديان شتى من بين يهودي ونصراني ، ومجوسي ، ومشرك .

( إلا من رحم ربك ) معناه : لكن من رحم ربك فهداهم إلى الحق ، فهم لا يختلفون ( ولذلك خلقهم ) قال الحسن ، وعطاء : وللاختلاف خلقهم . وقال أشهب : سألت مالكا عن هذه الآية ، فقال : خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير . [ ص: 207 ]

وقال أبو عبيدة : الذي أختاره قول من قال : خلق فريقا لرحمته وفريقا لعذابه .

وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك : وللرحمة خلقهم ، يعني الذين رحمهم .

وقال الفراء : خلق أهل الرحمة للرحمة ، وأهل الاختلاف للاختلاف .

وحاصل الآية : أن أهل الباطل مختلفون ، وأهل الحق متفقون ، فخلق الله أهل الحق للاتفاق ، وأهل الباطل للاختلاف .

( وتمت كلمة ربك ) وتم حكم ربك ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية