1. الرئيسية
  2. تفسير البغوي
  3. سورة النحل
  4. تفسير قوله تعالى " أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ( "
صفحة جزء
[ ص: 22 ] ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ( 48 ) ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ( 49 ) )

قوله عز وجل : ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء ) - قرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب ، وكذلك في سورة العنكبوت ، والآخرون بالياء ، خبرا عن الذين مكروا السيئات - إلى ما خلق الله من شيء من جسم قائم ، له ظل ، ( يتفيأ ) قرأ أبو عمرو ، ويعقوب بالتاء والآخرون بالياء . ( ظلاله ) أي : تميل وتدور من جانب إلى جانب ، فهي في أول النهار على حال ، ثم تتقلص ، ثم تعود في آخر النهار إلى حال أخرى سجدا لله ، فميلانها ودورانها : سجودها لله عز وجل . ويقال للظل بالعشي : فيء; لأنه فاء ، أي رجع من المغرب إلى المشرق ، فالفيء الرجوع . والسجود الميل . ويقال : سجدت النخلة إذا مالت .

قوله عز وجل : ( عن اليمين والشمائل سجدا لله ) قال قتادة والضحاك : أما اليمين : فأول النهار ، والشمال : آخر النهار ، تسجد الظلال لله .

وقال الكلبي : الظل قبل طلوع الشمس عن يمينك وعن شمالك وقدامك وخلفك ، وكذلك إذا غابت ، فإذا طلعت كان من قدامك ، وإذا ارتفعت كان عن يمينك ، ثم بعده كان خلفك ، فإذا كان قبل أن تغرب الشمس كان عن يسارك ، فهذا تفيؤه ، وتقلبه ، وهو سجوده .

وقال مجاهد : إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله .

وقيل : المراد من الظلال : سجود الأشخاص .

فإن قيل لم وحد اليمين وجمع الشمائل؟

قيل من شأن العرب في اجتماع العلامتين الاكتفاء بواحدة ، كقوله تعالى : " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم " ( البقرة - 7 ) وقوله : " يخرجهم من الظلمات إلى النور " ( البقرة - 257 ) .

وقيل : اليمين يرجع إلى قوله : " ما خلق الله " . ولفظ " ما " واحد ، والشمائل : يرجع إلى المعنى .

( وهم داخرون ) صاغرون . ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض ) إنما أخبر ب " ما " لغلبة ما لا يعقل على من يعقل في العدد ، والحكم للأغلب كتغليب المذكر على المؤنث ، ( من دابة ) أراد من كل حيوان يدب . ويقال : السجود : الطاعة ، والأشياء كلها مطيعة لله عز وجل من حيوان وجماد ، قال الله تعالى : " قالتا أتينا طائعين " ( فصلت - 11 ) . [ ص: 23 ]

وقيل : سجود الأشياء تذللها وتسخرها لما أريدت له وسخرت له .

وقيل : سجود الجمادات وما لا يعقل : ظهور أثر الصنع فيه ، على معنى أنه يدعو الغافلين إلى السجود عند التأمل والتدبر فيه ، قال الله تعالى : " سنريهم آياتنا في الآفاق " ( فصلت - 53 ) .

( والملائكة ) خص الملائكة بالذكر مع كونهم من جملة ما في السموات والأرض تشريفا ورفعا لشأنهم .

وقيل : لخروجهم من الموصوفين بالدبيب إذ لهم أجنحة يطيرون بها .

وقيل : أراد : ولله يسجد ما في السموات من الملائكة وما في الأرض من دابة ، وتسجد الملائكة . ( وهم لا يستكبرون )

التالي السابق


الخدمات العلمية