صفحة جزء
باب صيد القوس وقال الحسن وإبراهيم إذا ضرب صيدا فبان منه يد أو رجل لا تأكل الذي بان وكل سائره وقال إبراهيم إذا ضربت عنقه أو وسطه فكله وقال الأعمش عن زيد استعصى على رجل من آل عبد الله حمار فأمرهم أن يضربوه حيث تيسر دعوا ما سقط منه وكلوه

5161 حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة قال أخبرني ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة الخشني قال قلت يا نبي الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي قال أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل
قوله ( باب صيد القوس ) القوس معروفة ، وهي مركبة وغير مركبة ، ويطلق لفظ القوس أيضا على الثمر الذي يبقى في أسفل النخلة >[1] وليس مرادا هـنا .

قوله ( وقال الحسن وإبراهيم : إذا ضرب صيدا فبان منه يد أو رجل لا تأكل الذي بان وكل سائره ) في [ ص: 520 ] رواية الكشميهني " ويأكل سائره " أما أثر الحسن فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن قال في رجل ضرب صيدا فأبان منه يدا أو رجلا وهو حي ثم مات قال : لا تأكله ولا تأكل ما بان منه إلا أن تضربه فتقطعه فيموت من ساعته ، فإذا كان كذلك فليأكله . وقوله في الأصل " سائره " يعني باقيه . وأما أثر إبراهيم فرويناه من روايته لا من رأيه ، لكنه لم يتعقبه فكأنه رضيه . وقال ابن أبي شيبة " حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال : إذا ضرب الرجل الصيد فبان منه عضو ترك ما سقط وأكل ما بقي " قال ابن المنذر : اختلفوا في هذه المسألة فقال ابن عباس وعطاء : لا تأكل العضو منه ، وذك الصيد وكله . وقال عكرمة إن عدا حيا بعد سقوط العضو منه فلا تأكل العضو وذك الصيد وكله ، وإن مات حين ضربه فكله كله وبه قال الشافعي وقال : لا فرق أن ينقطع قطعتين أو أقل إذا مات من تلك الضربة وعن الثوري وأبي حنيفة إن قطعه نصفين أكلا جميعا ، وإن قطع الثلث مما يلي الرأس فكذلك ، ومما يلي العجز أكل الثلثين مما يلي الرأس ولا يأكل الثلث الذي يلي العجز .

قوله ( وقال إبراهيم ) هو النخعي ( إذا ضربت عنقه أو وسطه ) هو بفتح المهملة ، وأما الوسط بالسكون فهو المكان .

قوله ( وقال الأعمش عن زيد : استعصى على رجل من آل عبد الله حمار إلخ ) وصله ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : سأل ابن مسعود عن رجل ضرب رجل حمار وحشي فقطعها فقال : دعوا ما سقط وذكوا ما بقي وكلوه . فيستفاد منه نسبة زيد وأنه ابن وهب التابعي الكبير وأن عبد الله هو ابن مسعود وأن الحمار كان حمار وحش . وأما الرجل الذي من آل ابن مسعود فلم أعرف اسمه . وقد ردد ابن التين في شرحه النظر هل هو حمار وحشي أو أهلي ؟ وشرع في حكاية الخلاف عن المالكية في الحمار الأهلي ومطابقة هذه الآثار لحديث الباب من جهة اشتراط الذكاة في قوله " فأدركت ذكاته فكل " فإن مفهومه أن الصيد إذا مات بالصدمة من قبل أن يدرك ذكاته لا يؤكل ، قال ابن بطال : أجمعوا على أن السهم إذا أصاب الصيد فجرحه جاز أكله ولو لم يدر هل مات بالجرح أو من سقوطه في الهواء أو من وقوعه على الأرض ، وأجمعوا على أنه لووقع على جبل مثلا فتردى منه فمات لا يؤكل ، وأن السهم إذا لم ينفذ مقاتله لا يؤكل إلا إذا أدركت ذكاته . وقال ابن التين إذا قطع من الصيد ما لا يتوهم حياته بعده فكأنه أنفذه بتلك الضربة فقامت مقام التذكية ، وهذا مشهور مذهب مالك وغيره .

قوله ( حدثنا عبد الله بن يزيد ) هو المقري ، وحيوة هو ابن شريح .

قوله ( عن أبي ثعلبة الخشني ) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم نون ، نسبة إلى بني خشين بطن من النمر بن وبرة بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة .

قوله ( قلت يا نبي الله إنا بأرض قوم أهل كتاب ) يعني بالشام ، وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشام وتنصروا منهم آل غسان وتنوخ وبهز وبطون من قضاعة منهم بنو خشين آل أبي ثعلبة ، واختلف في اسم أبي ثعلبة فقيل جرثوم وهو قول الأكثر وقيل جرهم وقيل ناشب وقيل جرثم [ ص: 521 ] وهو كالأول لكن بغير إشباع وقيل جرثومة وهو كالأول لكن بزيادة هاء وقيل غرنوق وقيل ناشر وقيل لاشر وقيل لاش وقيل لاشن وقيل لا شومه ، واختلف في اسم أبيه فقيل عمرو وقيل ناشب وقيل ناسب بمهملة وقيل بمعجمة وقيل ناشر وقيل لاشر وقيل لاش وقيل لاشن وقيل لاشم وقيل لاسم وقيل جلهم وقيل حمير وقيل جرهم وقيل جرثوم ، ويجتمع من اسمه واسم أبيه بالتركيب أقوال كثيرة جدا ، وكان إسلامه قبل خيبر وشهد بيعة الرضوان وتوجه إلى قومه فأسلموا ، وله أخ يقال له عمرو أسلم أيضا .

قوله ( في آنيتهم ) جمع إناء والأواني جمع آنية ، وقد وقع الجواب عنه " فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها " فتمسك بهذا الأمر من رأى أن استعمال آنية أهل الكتاب تتوقف على الغسل لكثرة استعمالهم النجاسة . ومنهم من يتدين بملابستها ، قال ابن دقيق العيد : وقد اختلف الفقهاء في ذلك بناء على تعارض الأصل والغالب . واحتج من قال بما دل عليه هذا الحديث بأن الظن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل ، وأجاب من قال بأن الحكم للأصل حتى تتحقق النجاسة بجوابين :

أحدهما أن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب احتياطا جمعا بينه وبين ما دل على التمسك بالأصل .

والثاني أن المراد بحديث أبي ثعلبة حال من يتحقق النجاسة فيه ، ويؤيده ذكر المجوس لأن أوانيهم نجسة لكونهم لا تحل ذبائحهم .

وقال النووي : المراد بالآنية في حديث أبي ثعلبة آنية من يطبخ فيها لحم الخنزير ويشرب فيها الخمر كما وقع التصريح به في رواية أبي داود " إنا نجاور أهل الكتاب ، وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فقال " فذكر الجواب . وأما الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسة فإنه يجوز استعمالها ولو لم تغسل عندهم ، وإن كان الأولى الغسل للخروج من الخلاف لا لثبوت الكراهة في ذلك ، ويحتمل أن يكون استعمالها بلا غسل مكروها بناء على الجواب الأول وهو الظاهر من الحديث ، وأن استعمالها مع الغسل رخصة إذا وجد غيرها فإن لم يجد جاز بلا كراهة للنهي عن الأكل فيها مطلقا وتعليق الإذن على عدم غيرها مع غسلها ، وتمسك بهذا بعض المالكية لقولهم إنه يتعين كسر آنية الخمر على كل حال بناء على أنها لا تطهر بالغسل ، واستدل بالتفصيل المذكور لأن الغسل لو كان مطهرا لها لما كان للتفصيل معنى ، وتعقب بأنه لم ينحصر في كون العين تصير نجسة بحيث لا تطهر أصلا بل يحتمل أن يكون التفصيل للأخذ بالأولى ، فإن الإناء الذي يطبخ فيه الخنزير يستقذر ولو غسل كما يكره الشرب في المحجمة ولو غسلت استقذارا ، ومشى ابن حزم على ظاهريته فقال : لا يجوز استعمال آنية أهل الكتاب إلا بشرطين أحدهما أن لا يجد غيرها والثاني غسلها . وأجيب بما تقدم من أن أمره بالغسل عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل ، والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها كما في حديث سلمة الآتي بعد في الأمر بكسر القدور التي طبخت فيها الميتة ، فقال رجل أو نغسلها ؟ فقال : أو ذاك . فأمر بالكسر للمبالغة في التنفير عنها ثم أذن في الغسل ترخيصا ، فكذلك يتجه هذا هنا والله أعلم .

قوله ( وبأرض صيد أصيد بقوسي ) فقال في جوابه " وما صدت بقوسك وذكرت اسم الله فكل " تمسك به من أوجب التسمية على الصيد وعلى الذبيحة ، وقد تقدمت مباحثه في الحديث الذي قبله ، وكذا تقدمت مباحث السؤال الثالث وهو الصيد بالكلب ، وقوله " فكل " وقع مفسرا في رواية أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال : يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة - الحديث وفيه - [ ص: 522 ] وأفتني في قوسي ، قال : كل ما ردت عليك قوسك ذكيا وغير ذكي . قال وإن تغيب عني ؟ قال وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا غير سهمك " وقوله يصل بصاد مهملة مكسورة ولام ثقيلة أي ينتن ، وسيأتي مباحث هذا الحديث بعد ثلاثة أبواب في " باب الصيد إذا غاب يومين أو ثلاثة " وفي الحديث من الفوائد جمع المسائل وإيرادها دفعة واحدة وتفصيل الجواب عنها واحدة واحدة بلفظ أما وأما .

التالي السابق


الخدمات العلمية