صفحة جزء
باب الخذف والبندقة

5162 حدثنا يوسف بن راشد حدثنا وكيع ويزيد بن هارون واللفظ ليزيد عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل أنه رأى رجلا يخذف فقال له لا تخذف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف أو كان يكره الخذف وقال إنه لا يصاد به صيد ولا ينكى به عدو ولكنها قد تكسر السن وتفقأ العين ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف لا أكلمك كذا وكذا
قوله ( باب الخذف والبندقة ) أما الخذف فسيأتي تفسيره في الباب ، وأما البندقة معروفة تتخذ من طين وتيبس فيرمى بها ، وقد تقدمت أشياء تتعلق بها في " باب صيد المعراض " .

قوله ( حدثني يوسف بن راشد ) وهو يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الرازي نزيل بغداد ، نسبه البخاري إلى جده ، وفي طبقته يوسف بن موسى التستري نزل الري . فلعل البخاري كان يخشى أن يلتبس به .

قوله ( واللفظ ليزيد ) قلت قد أخرج أحمد الحديث عن وكيع مقتصرا على المتن دون القصة ، وأخرجه الإسماعيلي من رواية يحيى القطان ووكيع كلاهما عن كهمس مقرونا وقال : إن السياق ليحيى والمعنى واحد .

قوله ( إنه رأى رجلا ) لم أقف على اسمه ، ووقع في رواية مسلم من رواية معاذ بن معاذ عن كهمس " رأى رجلا من أصحابه " وله من رواية سعيد بن جبير عن عبد الله بن مغفل أنه قريب لعبد الله بن مغفل .

قوله ( يخذف ) بخاء معجمة وآخره فاء أي يرمي بحصاة أو نواة بين سبابتيه أو بين الإبهام والسبابة أو على ظاهر الوسطى وباطن الإبهام ، وقال ابن فارس : خذفت الحصاة رميتها بين أصبعيك ، وقيل في حصى الخذف : أن يجعل الحصاة بين السبابة من اليمنى والإبهام من اليسرى ثم يقذفها بالسبابة من اليمين ، وقال ابن سيده : خذف بالشيء يخذف فارسي وخص بعضهم به الحصى ، قال : والمخذفة التي يوضع فيها الحجر ويرمى بها الطير ويطلق على المقلاع أيضا قاله في الصحاح .

قوله ( نهى عن الخذف ، أو كان يكره الخذف ) في رواية أحمد عن وكيع " نهى عن الخذف " ولم يشك ، وأخرجه عن محمد بن جعفر عن كهمس بالشك وبين أن الشك من كهمس .

قوله ( إنه لا يصاد به صيد ) قال المهلب : أباح الله الصيد على صفة فقال تناله أيديكم ورماحكم وليس الرمي بالبندقة ونحوها من ذلك وإنما هو وقيذ ، وأطلق الشارع أن الخذف لا يصاد به لأنه ليس من [ ص: 523 ] المجهزات ، وقد اتفق العلماء - إلا من شذ منهم - على تحريم أكل ما قتلته البندقة والحجر انتهى . وإنما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده .

قوله ( ولا ينكأ به عدو ) قال عياض : الرواية بفتح الكاف وبهمزة في آخره وهي لغة ، والأشهر بكسر الكاف بغير همز ، وقال في شرح مسلم : لا ينكأ بفتح الكاف مهموز ، وروى لا ينكي بكسر الكاف وسكون التحتانية ، وهو أوجه لأن المهموز إنما هـو من نكأت القرحة وليس هذا موضعه فإنه من النكاية ، لكن قال في " العين " نكأت لغة في نكيت ، فعلى هذا تتوجه هذه الرواية قال : ومعناه المبالغة في الأذى . وقال ابن سيده ، نكأ العدو نكاية أصاب منه ، ثم قال : نكأت العدو أنكؤهم لغة في نكيتهم ، فظهر أن الرواية صحيحة المعنى ولا معنى لتخطئتها . وأغرب ابن التين فلم يعرج على الرواية التي بالهمز أصلا بل شرحه على التي بكسر الكاف بغير همز ، ثم قال : ونكأت القرحة بالهمز .

قوله ( ولكنها قد تكسر السن ) أي الرمية ، وأطلق السن فيشمل سن المرمى وغيره من آدمي وغيره .

قوله ( لا أكلمك كذا وكذا ) في رواية معاذ ومحمد بن جعفر " لا أكلمك كلمة كذا وكذا " وكلمة بالنصب والتنوين ، كذا وكذا أبهم الزمان ، ووقع في رواية سعيد بن جبير عند مسلم " لا أكلمك أبدا " وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه ، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه ، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب ، وفيه تغيير المنكر ومنع الرمي بالبندقة لأنه إذا نفى الشارع أنه لا يصيد فلا معنى للرمي به بل فيه تعريض للحيوان بالتلف لغير مالكه وقد ورد النهي عن ذلك ، نعم قد يدرك ذكاة ما رمي بالبندقة فيحل أكله ، ومن ثم اختلف في جوازه فصرح مجلي في " الذخائر " بمنعه وبه أفتى ابن عبد السلام ، وجزم النووي له لأنه طريق إلى الاصطياد ، والتحقيق التفصيل : فإن كان الأغلب من حال الرمي ما ذكر في الحديث امتنع ، وإن كان عكسه جاز ولا سيما إن كان المرمى مما لا يصل إليه الرمي إلا بذلك ثم لا يقتله غالبا ، وقد تقدم قبل بابين من هذا الباب قول الحسن في كراهية رمي البندقة في القرى والأمصار ، ومفهومه أنه لا يكره في الفلاة ، فجعل مدار النهي على خشية إدخال الضرر على أحد من الناس والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية